دوللي بشعلاني-الديار
بانتظار إفراج السعوديّة عــن عقدة التشكيل
لا يبدو أنّ طريق مبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم «القديمة – الجديدة» لتسريع تشكيل الحكومة ووقف النزف وإخراج الإنفجار الشعبي المتجدّد من الشارع بفعل الإرتفاع الجنوني لسعر الدولار الأميركي في السوق السوداء وانعكاسه بشكل مباشر على الغلاء المعيشي، سالكة لا سيما على خطّ الرئيس المكلّف سعد الحريري. فقد وضع ورقة التكليف في جيبه لأشهر، ثمّ قدّم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ نحو ثلاثة أشهر، ويقول إنّه ينتظر توقيعه عليها، فيما يستكمل جولاته الخارجية على الدول العربية الخليجية بهدف تحديد السعودية موعداً له، ما يعني إمكانية حصوله على موافقتها على رفع «الفيتو» عن مشاركة حزب الله أو ممثليه في الحكومة الجديدة. وتقول المعلومات بأنّ مبادرة اللواء ابراهيم التي تقوم على تشكيل حكومة من 18 وزيراً، من دون ثلث معطّل على أن تكون وزارة الداخلية من حصّة الرئيس ميشال عون وأن يُسمّي وزراء من ضمنهم وزير الطاشناق، ويُسمّي الحريري وزير العدل، فقد وافق عليها الفريق الرئاسي، وينتظر ردّ الرئيس المكلّف عليها. غير أنّ مصادر «تيّار المستقبل» أكّدت بأنّ الحريري لم يتبلّغ أي شيء رسمي حتى الآن، ولو كانت موافقة عون جديّة على بنود المبادرة لكان اتصل بالحريري وطلب منه المجيء الى بعبدا لمناقشتها. وشدّدت المصادر على أنّ الحريري قبل عودته من زيارته الأخيرة الى الإمارات العربية حيث التقى الثلاثاء الفائت، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العاصمة أبو ظبي، وتناول اللقاء مجمل الأوضاع والتطوّرات في لبنان والمنطقة، لم يتبلّغ بأي شيء رسمي من أي طرف فيما يتعلّق بمبادرة اللواء عبّاس. والمفارقة أنّه لم يتمّ التطرّق من جانب رئيس الجمهورية و»التيّار الوطني الحرّ» مع الروس بهذا الأمر، من خلال موفدهما السياسي لدى روسيا النائب السابق أمل أبو زيد. فقد التقى أبو زيد يوم الجمعة الماضي مبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، ولم يتحدّثا خلال هذا اللقاء بمبادرة اللواء ابراهيم، لا من قريب ولا من بعيد، وإلاّ لجرت مناقشتها مع الرئيس الحريري خلال لقائه الأخير بلافروف. فالروس لم يكونوا في أجواء هذه المبادرة، علماً بأنّ بوغدانوف كان حاضراً خلال اللقاء ولم يطرح هذا الأمر. من هنا، فإنّ موقف الحريري لا يزال على حاله، على ما أوضحت المصادر، إذ لم يتمّ تبليغه رسمياَ بموافقة عون على مبادرة اللواء ابراهيم، فما يُطرح لا تعتبره أمراً جديّاً إذ لم تتمّ مناقشته مع الرئيس المكلّف من قبل الرئيس عون، كما لم يجرِ بحثه مع الجانب الروسي من قبل أي طرف داخلي. ولا يزال الحريري بالتالي ينتظر توقيع الرئيس عون على مراسيم التشكيلة الحكومية (اليتيمة) التي قدّمها له منذ ثلاثة أشهر، أو على الأقلّ الإتصال به من قبل عون ووضعه في إطار موافقته الرسمية على مبادرة اللواء ابراهيم. علماً بأنّ عون كان قد وضع ملاحظاته على التشكيلة بشكل فوري وأبلغها للحريري، على ما يقول العارفون، وقد جرى الإعلان عن ذلك في وقته، وأنّ اللواء ابراهيم هو موفد رئاسي (من قبل عون) لدى جميع الأطراف لتسهيل تشكيل الحكومة، والمعروف عنه أنّه لا يتراجع دون تحقيق هدفه المنشود. كما يجد هؤلاء بأنّ ما تقوله «مصادر المستقبل»هو تأكيد على انتظار الحريري الضوء الأخضر من الخارج لتشكيل الحكومة، بعيداً عن المبادرات الداخلية أو اتصال الرئيس عون أو لقاء ابراهيم به.. ونفت المصادر بأنّ يكون الرئيس الحريري في صدد الإعتذار عن تشكيل الحكومة، أو أن يتمكّن مجلس النوّاب بناء على رسالة من الرئيس عون أو سوى ذلك من سحب ورقة التكليف منه. فالتكليف حصل ولا يُمكن سحبه من الرئيس المكلّف، بحسب ما ينصّ عليه الدستور، سيما وأنّه يريد تشكيل حكومة البارحة قبل اليوم، ويجد أنّ الأمر ملحّاً أكثر من أي مكوّن سياسي آخر. وإذ يؤكّد العارفون بأنّ «الثنائي الشيعي» موافق على مبادرة اللواء ابراهيم ويدعمها، فإنّ وفداً من حزب الله سيزور روسيا قريباً، على ما ذكروا، ربما لبحث هذه المبادرة، أو لإيجاد حلّ ما لرفع السعودية «الفيتو» عن تمثيل الحزب في الحكومة الجديدة. الأمر الذي يُسرّع كثيراً في تشكيل الحكومة، ويجعل الخلاف بين عون الحريري ثانويّاً ويمكن إيجاد حلّ سريع له. ويرى المراقبون السياسيون بأنّ ما يُبادر إليه اللواء ابراهيم من ترتيب لقاء مصارحة بين رئيس «التيّار الوطني الحرّ» والرئيس المكلّف في الصرح البطريركي أو في أي مكان آخر، هو أكثر ما يجب السعي اليه اليوم لتسهيل تشكيل الحكومة. فمثل هذا اللقاء من شأنه تحديد موقف كلّ طرف منهما، بغض النظر عمّا يجري تناقله في وسائل الإعلام من تحليلات. فمن المصالحة والمصارحة، حتى وإنّ تشكّلت الحكومة، فلن تتمكّن من إجراء الإصلاحات الإقتصادية اللازمة للحصول على الدعم الدولي لانتشال لبنان من أزمته. فثقة المجتمع الدولي هو أكثر ما تحتاجه الحكومة الجديدة لتكون منتجة وفاعلة. كما أنّ الوضع السيء الذي يعيشه لبنان لا يُمكن الخروج منه من دون المساعدات والقروض من صندوق النقد الدولي والدول المانحة والمجموعة الدولية. وهذه الأخيرة لن تثق بلبنان، وبأي حكومة فيه لا تُظهر تضامنها وموقفها الموحّد تجاه حلّ الأزمات المتفاقمة في البلاد. ويرى المراقبون بأنّ دولاً خارجية عدّة تتخوّف من انفجار الوضع الامني في لبنان في المرحلة الراهنة، رغم قدرة قائد الجيش جوزف عون على الإمساك بزمام الأمور. غير أنّ التخوّفات تأتي من إمكانية توتير الأجواء من خلال إحداث فوضى ما من خلال مواجهة ما، أو عبر اغتيال إحدى الشخصيات، على ما حصل في السابق في العام 2005، قد تُنفّذه بعض الخلايا الإرهابية النائمة، وذلك بهدف فرض أمر واقع على المسؤولين السياسيين الذين لا زالوا يتلكّأون عن أداء واجبهم رغم وصول الشعب اللبناني الى أدنى درجات الفقر والجوع والبطالة، وانهيار كلّ إمكانات دعم الدولة للوضع الإقتصادي المأزوم أساساً.