إنعدام سيولة المصارف عائق أساسي أمام تطبيق “الكابيتال كونترول” (رمزي الحاج)
خالد أبو شقرا-نداء الوطن
شُهد لآذار 2020 تَفتّح “ورود” الكابيتال كونترول “زرار زرار”. إلا أن عملية “التزهير” سرعان ما سقطت تحت زخات “برد” السياسيين، ولم يُقدّر لها أن “تعقد” وتتحول ثماراً ناضجة تروي ظمأ اللبنانيين. واليوم وبعد سنة على “فوعة” مشاريع تقييد الرساميل، وأكثر من سنة و5 أشهر على اندلاع الأزمة، عاد الموضوع إلى الواجهة من جديد. فهل الضغط اليوم لإقرار القانون منفرداً هو كمن “يطعمه الله الحجة والناس راجعة؟”.
مسوّدات مشروع “تقييد الرساميل” الثلاثة أجهضت جميعها في مجلس الوزراء. والنسخة الأخيرة المعدلة سحبها وزير المالية في جلسة 24 آذار 2020 بعد إلقاء الرئيس نبيه بري “حرماً” نقدياً. ولم تمضِ أيام حتى سحب الرئيس برّي بساط الملف من يد السلطة التنفيذية كلياً معلناً ان “الكابيتال كونترول لم يعد له وجود”، وأنه “ليس وارداً في أيامي ان يُشرّع المس بأموال المودعين في المصارف. ولا ان يمس بالدستور بطريقة استخفافية. هناك المادة 174 من قانون النقد والتسليف، فليلجأوا اليها”. وبعد نحو شهرين وتحديداً في 20 أيار الفائت تقدم كل من النواب ياسين جابر، سيمون أبي رميا، وآلان عون باقتراح قانون “كابيتال كونترول” معجل مكرر من مادة واحدة. ولكن سرعان ما أسقط المجلس النيابي صفة العجلة عنه في جلسة 30 أيار 2020، وحوله إلى اللجان، ولم يخرج منها بعد ذلك.
لم تعد توجد أموال لـ”تضبط”!
يتفق الكثير من الخبراء المصرفيين والحقوقيين على أن إقرار قانون “الكابيتال كونترول” كان يجب أن يحصل في بداية تشرين الثاني 2019. ويرجع قسم كبير منهم بالذاكرة إلى سابقة إقرار مثل هذا التنظيم على الصعيد الداخلي عقب إفلاس بنك انترا. في حين تلجأ كل الدول التي تصاب بأزمات نقدية مشابهة، كقبرص مثلاً، إلى إقرار القيود على خروج الرساميل بشكل فوري. أمّا العودة “المصرفية” وغير المصرفية للمطالبة باقرار مثل هذه التنظيم بشكل أحادي أو بشكل منفرد، بعد سنة ونصف على انفجار الأزمة واستنفاد كل الدولارات الحقيقية فتحمل في طياتها نية “عفّى الله عما مضى”، بحسب مصادر نيابية متابعة. وكأنهم يقولون ان المحاسبة ستبدأ منذ تاريخ إقرار القانون وان كل الأموال التي خرجت منذ بداية الأزمة والمقدرة بالمليارات لن يطالها سيف المحاسبة”. هذا من الناحية السياسية أمّا اقتصادياً فتعتبر المصادر انه “لم يعد هناك من أموال نقدية لتخرج. وان مثل هذا الإجراء لا يصبح مفيداً إلا مع تشكيل حكومة جديدة، ووضعه من ضمن سلة إصلاحات شاملة تطال إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الثقة، وعودة لبنان إلى جذب الرساميل والودائع. عندها يصبح مثل هذا القانون ضرورة”. ولنسلم جدلاً ان القانون أقر بما يشبه المسوّدات المقدمة، فهل باستطاعة المصارف تسهيل تحويل 50 ألف دولار سنوياً للحاجات الضرورية لكل عميل كما ينص القانون؟”. سؤال تجيب عليه المصادر بالنفي. فـ”المصارف عاجزة اليوم عن تحويل 10 آلاف دولار لنحو 10 آلاف طالب بكلفة لا تتجاوز 100 مليون دولار. وهي تضرب بعرض الحائط قانون الدولار الطالبي 193/2020 الصادر عن مجلس النواب. فكيف لها أن تؤمّن لعشرات آلاف العملاء من أفراد وتجار تحويل ملايين الدولارات من حساباتهم إلى الخارج لأغراض ضرورية؟”.
“كابيتال كونترول” سلبي
تأكيد المصادر المصرفية على أهميّة إقرار “الكابيتال كونترول”، إنطلاقاً من أنه “يؤمن الإستقرار المنشود في العلاقة مع الزبائن، ويشكّل انطلاقة متينة يُبنى عليها لتوفير المعالجات المطلوبة”، لن يكون إلا لـ”قوننة حجز الاموال في البنوك”، برأي المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن، و”لن يرقى إلى طموحات الكثير من المودعين الآملين بتحرير جزء من ودائعهم بالدولار أو النقد الحقيقي”. فالكثير من المصارف التي عجزت عن تأمين 3 في المئة نقداً من قيمة ودائعها لوضعها في المصارف المراسلة، “لن تكون قادرة في حال إقرار “الكابيتال كونترول” أو حتى “الهيركات” على إرجاع 1 في المئة فقط من حقوق المودعين بالعملة الأجنبية”، يقول الخازن. “من هنا فانه من الصعب أن توافق المصارف ومن يقف خلفها على إقرار القوانين التي ترتبط مباشرة بعودة الإنتظام إلى القطاع المصرفي. وإن وافقت فستكون وفقاً لشروطها وتبعاً لمصلحتها، وليس لمصلحة المودعين أو الإقتصاد”.
بغض النظر عن مصلحة بعض النافذين من مصرفيين وسياسيين بعدم إقرار “الكابيتال كونترول”، فان المشكلة الأساسية التي تعيق إقراره بحسب الخازن هي “فقدان المصارف للسيولة التي تخولها الإلتزام بمندرجاته والتقيد بالالتزامات التي قد تفرض عليها”. وعن مدى تأثير عدم إقرار هذا القانون في المفاوضات المستقبلية مع صندوق النقد الدولي، يعتبر الخازن أن “صندوق النقد قد يكون أكثر العالمين باستحالة تطبيق هذا القانون بالشكل الذي طرح سابقاً. وعليه فان كل التوقعات المبنية على الحالة التي وصل إليها القطاع المصرفي، تشير إلى أن صدور القانون سيزيد القيود ولن يخففها. وهو سيكون نوعاً من “الكابيتال كونترول” السلبي. بما يعني انه سيشدد على الممنوعات وليس المسموحات. وإيجابيته الوحيدة ستكون بتشكيله غطاء قانونياً للمحاكم والقضاة في الحكم بالخلافات التي تنشب بين الدائنين والمصارف”.
إقراره يجب أن يكون من ضمن الحل الشامل
من جهة الثانية فان إقرار قانون يزيد الشقاء ويمعن في تقنين السحوبات سيفقد المودعين الأمل باسترجاع ودائعهم في القريب العاجل، ويخرس صوتهم ويكبل امكانية رفع الدعاوى أمام المحاكم. خصوصاً انه ما زال بالامكان لغاية اليوم محاسبة استنسابية المصارف في فرض “الكابيتال كونترول” في إطار “إساءة الأمانة”. وهذا ما يخالف بحسب القانون مبدأ “القرش الداير”، والزامية توزيع الديون في حال التعثر أو الإفلاس أو التصفية بالتساوي بين كل الدائنين. وليس السماح للنافذين باخراج المليارات سواء كانت 2.5 كما يدعي احد المصادر المصرفية، أو 7 مليارات كما يفترض بعض الدراسات الإستقصائية.
ككل المقترحات والقوانين الإصلاحية لا يمكن فصل “الكابيتال كونترول” عن الخطة الشاملة، واعادة هيكلة المصارف، وبرنامج توزيع الخسائر تحت إشراف صندوق النقد الدولي. فهذا القانون بصفته الموقتة يجب أن يباشر العمل به في مرحلة استعادة العافية. وأن يكون متضمناً تحفيزات للمستثمرين ورجال الإعمال والمنتجين، تضمن إعادة تحويل الأموال لتشجيعهم على العودة إلى لبنان. ومن الخطأ الإعتقاد أن إقراره منفرداً وفي ظل هذه الطبقة الحاكمة سيشكل خلاصاً للبنان واللبنانيين.