لا تزال البلاد تعيش تردّدات كلمة قائد الجيش العماد جوزف عون يوم الإثنين الماضي، إذ كشف لامبالاة السلطة أمام حجم الكارثة المقبلة وعدم اكتراثها بصرخة أهم المؤسسات الوطنية.
لا شكّ أن موقف العماد عون أحدث صدمة لدى أهل السلطة، حيث حاول بعض الأفرقاء إمتصاص غضب الجيش، في حين أن من يريد الإصطياد في الماء العكر والتصويب على قائد الجيش إعتبر أنّ الأخير يخوض معركة سياسية رئاسية، وينسج تحالفاً مسيحياً مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ويُنسّق مع “القوات اللبنانية” على الأرض من أجل قلب الموازين الداخلية والمسيحية.
وفي السياق، برز إقتراح قانون معجّل مكرّر للنائب علي حسن خليل يقضي بدفع مليون ليرة لبنانية شهرياً للعسكر على مدى ستة أشهر من أجل تلبية مطالب الجيش.
هذا الحل الذي طرحه النائب خليل لم تُعرف خلفياته بعد وهل هو اقتراح من الرئيس نبيه برّي أو أنه حلّ إتفقت عليه السلطة الحاكمة، أو أنه مجرّد “فخّ” من أجل إسكات صوت الجيش الذي يصرخ مثل بقية المواطنين؟
وتشير معلومات “نداء الوطن” إلى أن قائد الجيش والقيادة لم يتبلّغا أي شيء رسمي يتعلّق باقتراح خليل ولم يناقش أحد معهما هذا الموضوع، وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية غير معنية به ولم يخرج هذا الإقتراح من اليرزة.
وأمام كل الوقائع، ليست هناك إمكانية لمرور مثل هكذا اقتراح، لأنه أولاً ليس الحلّ الجذري، وثانياً لأنه سيُحدث نقمة عند بقية القطاعات في الدولة، والأهم من هذا كلّه أنه ليس حلّاً دائماً وهناك معوقات مالية وإقتصادية لتطبيقه، لذلك فإن المطالبة هي بإيجاد حلول جريئة تُلبّي مطالب الجيش والمواطنين.
وتؤكّد المعلومات أن قائد الجيش لم يُقدّم أي تصوّر حلّ للسلطة السياسية بعد كلمة الإثنين، ويعود ذلك لأسباب عدّة أبرزها أن كل صرخاته السابقة ذهبت أدراج الرياح، كذلك فإن حكومة تصريف الأعمال غير قادرة على القيام بالواجب.
وتُركّز قيادة الجيش في الوقت الحالي على دراسة موازنة الجيش، وهي تُنسّق مع وزارة الدفاع في هذا الشأن، ويتولّى الضبّاط المولجون الشأن المالي الإهتمام بهذا الموضوع من أجل إقرار موازنة عادلة تُنصف المؤسسة العسكرية وتساعدها على الصمود في هذا الوقت العصيب من تاريخ البلد.
وتنفي القيادة العسكرية أي ربط بين إعطاء العسكريين حقّهم الطبيعي وبين قمع المواطنين، إذا إن القرار واضح في اليرزة وهو بعدم الإصطدام مع المواطن الذي يتظاهر للمطالبة بحقّه، وكل الكلام الذي يقول إن منح العسكري حقّه سيدفعه إلى قمع الشعب وتنفيذ أوامر السلطة في هذا المجال عارٍ عن الصحة، فمنذ اندلاع إنتفاضة 17 تشرين، اتخذ الجيش الموقف الوطني الذي يؤكّد حماية المتظاهرين وتفهّم غضب الناس والحفاظ في الوقت عينه على الإستقرار ومنع الفتنة وحماية الأملاك العامة والخاصة، وكل الكلام عن استعمال الجيش كأداة قمعية هو في غير مكانه وبعيد من الواقع، سواء زادوا معاش العسكري مليوناً أو عشرة ملايين.
وتستمرّ المواقف الدولية المؤيدة للجيش وكان آخرها موقف “الخارجية” الأميركية الذي أكّد استمرار بلاده بتسليح الجيش اللبناني، لكن المساعدات الأميركية هي تدريبية وتسليحية، وليست مالية لكي تُصرف على سدّ عجز موازنة الجيش بعد تخفيضها.
إختار قائد الجيش الوقوف في صفّ الشعب والوطن مطبقاً المعايير التي وضعها وفارضاً نفسه قوّة أساسية في اللعبة مانعاً الجيش من الإنحياز مع فريق ضد آخر، ويضحك عندما تُشنّ عليه حملات تشويه من البعض من أجل الكسب رئاسياً، إذ إنه يريد أن يقوم بمهمته على أكمل وجه، ولا يبحث عن كسب رضى سياسي، بل يهمه رضى العسكر والشعب الذي هو مصدر السلطات، ويرى في بلدته العيشية الجزينية التي يُحبّها أهم نقطة يقطنها ويرتاح فيها بعد إتمام مهمته الوطنية، وتتفوق على كل الكراسي التي يتقاتل عليها أهل السياسة.