بابوات الاسلام
نبيه البرجي-الديار
هل من امكانية لظهور مذهب ثالث بين السنّة والشيعة لانقاذهم من ذلك الصراع السيزيفي الذي يستهلك الأزمنة، ويستهلك الامكانيات، كما يستهلك ديناميات الدخول في القرن ؟
هذا في ضوء تداعيات الزيارة التاريخية التي قام بها البابا فرنسيس لبلاد الرافدين…
السؤال ليس في الفقه الذي طالما دفع بنا الى التيه، وانما في السياسة، وحيث يستخدم الدين ان لحماية عروش القرون الوسطى، أو لأغراض جيوسياسية. والنتيجة الانصراف عن صناعة الزمني والغرق في اللازمني.
المنطق يقول بالفصل بين الدولة والدين، وبين الدين والدولة، للحؤول دون خراب الدين والدولة.
الحبر الأعظم زار العراق، وحيث النموذج الدرامي للتصدع الطائفي، والاتني . في زمننا، هل المرجعيات الروحية، وحيث ثقافة التسامح لا ثقافة الطبول، ولا ثقافة السواطير، هي التي تحد من ميكانيكية الصراع، أم أن العملية، بكل ابعادها، رهن النرجسية التي تحكم أهل السلطة عندنا، وقد حلوا محل الملائكة، وربما حلوا محل الأبالسة، في القبض على أرواحنا ؟
الأضواء تمحورت حول لقاء الزائر الكبير والسيد علي السيستاني، بالشخصية الاستثنائية، ليس في الزهد والتقشف، فحسب، وحيث نرى مراجع دينية مسكونة بشبق المال، وشبق السلطة، وانما في رؤيته لمفهوم الدولة التي لا يحكمها النص الديني، الفضفاض والضبابي, والقابل لكل أشكال التأويل.
لشدة ازدرائه لنا، وربما لشدة واقعيته، يقول برنارد لويس، المستشرق الشهير، والمنظّر الفلسفي للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة, “حتى الذبابة باستطاعتها أن تعبث بأدمغة هذا النوع من البشر . ما بالك اذا كان التاريخ, بكل أهواله، يعبث بأدمغتهم، وما بالك بالايديولوجيا، بكل أهوالها، تعبث بأدمغتهم!!
لم يقل … ما بالك اذا كانت أمبراطورية، بصلاحيات الآلهة، هي التي تعبث بادمغتهم. لاحظ أن البداوة التي تستوطن الخارطة الجينية لديهم، قرأت الاسلام بأسنانها، حتى أن الأزهر الذي قال «احذروا فقه البادية»، كاد يقول «احذروا دين البادية»، لا للتشكيك بالدين الحنيف، وانما لتنظيفه من منطق القبيلة، ومن أدبيات القبيلة…
هكذا، حين يظهر مفكرون يقولون بالتفاعل بين جدلية النصوص وجدلية الأزمنة، اما أنهم يلاحقون بالسكاكين، أو يتهمون بالالحاد، ليدفعوا، بمنتهى الفظاظة، الى الظل أو الى البحث عن ملاذ آمن في الغرب. وغالباً ما تؤدي مسايرة الأنطمة لأصحاب الأفكار الميتة، الى الانتقال بالدين من البداوة الى منتصف الطريق بين جاذبية الأقبية وجاذبية القبور، ودون أن تكون هناك امكانية لـ «انتاج» مارتن لوثر اسلامي لتنظيف المسار الفقهي من اللوثة الوثنية.
من أطرف الأسئلة التي طرحها مثقفون سنّة وشيعة، في العراق. لماذا لا يوجد بابا للمسلمين ؟ فاتهم أنه في كل زقاق، وفي كل زاوية، ثمة بابا للمسلمين. ربما كانت المشكلة في العدد الهائل لبابوات الاسلام، ولبابوات المسلمين.
لا أحد بلغ به التفاؤل حد الرهان على أن تؤدي الزيارة البابوية الى أي تغيير في المسارات السيكولوجية لمجتمعات المنطقة. هذا لا يعني أن الزيارة لم تترك وراءها آثاراً كثيرة في الوجدان السياسي، أو الديني، لدى مختلف الفئات في العراق.
السنّة والشيعة، الأكراد والايزديون، الكلدان والأشوريين، كلهم استقبلوه بقلوب نقية، وراقية، ومنفتحة. لماذا لا يكون هناك من مجال للامتداد بتلك اللحظة، وبناء رؤية جديدة، ومتجددة، للعلاقات بين سائر المكونات الدينية والسياسية ؟
مؤشرات كثيرة على البعد الرومانسي في ما آلت اليه نتائج الزيارة، وان كان حلم الكثيرين اجتثاث الكراهية، والزبائنية، من المناخ العام.
شخصية سياسية عراقية قالت لنا «يا صاحبي، لو زارنا الله لا أسقف روما، لما تغير شيء في لاوعينا، وفي وعينا . أنظر كيف أن الأتراك، والايرانيين، الذين حولنا، وحتى الأثيوبيين، بنوا، أو يبنون، دولاً فاعلة في الاقليم . نحن باقون مثل رمال الصحارى، وتذرونا الرياح».
يا بابوات الاسلام في دنيا العرب… !!