الأخبار
وبعدَ ما يقرب من ثلاث سنوات، قلّصت إيران مِن امتثالها بموجب الاتفاق، ردّاً على الحصار الاقتصادي؛ واتخذت خطوات تقوم على تخصيب اليورانيوم بالمستويات التي كانت سارية قبل الاتفاق (20% بدلاً من 3.67% كحدٍّ أقصى)، وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى أكثر من 14 ضعفاً للحدّ الأقصى المسموح به وهو 202.8 كيلوغرام، واستخدام أجهزة طرد مركزي متقدّمة إلى جانب نماذج الجيل الأوّل (IR-1) المسموح بها، وتصنيع معدن اليورانيوم الذي منعتها «خطة العمل الشاملة المشتركة» من إنتاجه حتى عام 2031. ونتيجةً لذلك، فإن «زمن الاختراق» الذي ستحتاج إليه إيران لإنتاج كمّية من المواد الانشطارية كافية لصنع قنبلة نووية انخفض من عام إلى حوالى ثلاثة أشهر. في غضون ذلك، عمدت الجمهورية الإسلامية الى تقليص عمل سلطات التحقُّق والمراقبة لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بلجوئها إلى التعليق الموقّت، في أواخر شباط/ فبراير، لـ«البروتوكول الإضافي» وأحكام الشفافية المنصوص عليها في الاتفاق، في حين لا تزال هذه التدابير عرضة لمزيد من التدهور إذا التزمت طهران بقانون «الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات» الذي أقرّه مجلس الشورى بعد اغتيال العالِم الإيراني، محسن فخري زادة، نهاية العام الماضي.
ما سبق، وفق «مجموعة الأزمات الدولية»، يُجلِّي بوضوح فشل سياسة الإدارة السابقة، والتي لا تزال متواصلة في ظلّ إدارة جو بايدن، الأمر الذي يعرِّض الاتفاق النووي لـ«خطر الانهيار». وعلى رغم تعهُّد الإدارة الأميركية الجديدة بالعودة إلى الانضمام إليه، إلّا أن العقوبات التي فُرضت في عهد ترامب لا تزال سارية، في ظلّ دوران واشنطن وطهران في حلقة مفرغة في شأن مَن يجب أن يتحرّك أولاً. وعليه، ينبغي على الاتحاد الأوروبي كسر حالة الجمود القائمة، وفق ما تقترح «مجموعة الأزمات». وتشير، في تقييم آخر نُشر في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، إلى أن إيران والإدارة الأميركية تتّفقان على مبدأين: الأوّل، فشل سياسة «الضغوط القصوى»؛ والثاني، إحياء الصفقة كضرورة استراتيجية. وفي حين أن الجانبين شخّصا المشكلة بشكلٍ صحيح ووجدا طُرُق العلاج، إلا أنهما لا يزالان عالقين في مأزق دبلوماسي، يُصرّ فيه كلّ منهما على أن يتّخذ الآخر الخطوة الأولى. وللخروج من المأزق، ومنع انهيار الاتفاق، تدعو المجموعة البلدين إلى التصرّف بسرعة وحسم، عبر الانضمام إلى مفاوضات مباشرة وهادئة. وإذا لم يكن ذلك ممكناً، تقترح أن يتوسّط الاتحاد الأوروبي عبر تشجيع كلا الطرفين على القيام بمبادرات حسن نية أولية من شأنها أن تُمهِّد الطريق إلى محادثات مباشرة متعدِّدة الأطراف. وبمجرّد الجلوس إلى طاولة المفاوضات، «يمكن الجميع التركيز على وضع ترتيب موقّت يمنع المواجهة من التدهور أكثر، يليه اتفاق على خطوات متزامنة تعيد إيران والولايات المتحدة إلى الامتثال للاتفاق. ومن ثم، ينبغي على الأطراف البناء على خطّة العمل الشاملة المشتركة لوضع اتفاق متابعة أقوى وأكثر استقراراً يعالج المخاوف الأوسع».
وعلى رغم انتهاك بنود الاتفاق، ظلّت إيران طرفاً مشاركاً فيه، وأعلنت، غير مرّة، أن الخطوات التي اتّخذتها قابلة للعكس، بمجرّد أن تفي الأطراف الأخرى في الاتفاق بالتزاماتها. من جانبها، اتخذت إدارة بايدن، منذ وصولها إلى البيت الأبيض، سلسلة من الإجراءات للإشارة إلى اهتمامها بإعادة الانخراط الدبلوماسي، مِن مثل تعيين المسؤولين الذين تفاوضوا على الاتفاق في عهد باراك أوباما، في مناصب دبلوماسية رفيعة. لكن تحرُّكات أكثر تشدُّداً طغت على تلك «التصالحية». فقد تبنّت، بضغط من معارضي الصفقة في واشنطن والمنطقة خطاباً متشدّداً حيال طهران. وتسبّبت، كما تقول «مجموعة الأزمات»، في نشوء نزاع علني لا لزوم له حول مَن يجب أن يتحرّك أولاً للعودة إلى الامتثال، وأشارت إلى أنها ستتحرّك مباشرة لممارسة لعبة تبادل تحميل المسؤوليات، بدلاً من الشروع في دبلوماسية جادّة. والأهمّ من ذلك أنها فشلت في رفع أيٍّ من العقوبات التي فرضها ترامب على إيران، والتي «ترقى في نظر طهران إلى عقاب جماعي للشعب الإيراني وسط جائحة قاتلة». كما لم تتّخذ واشنطن إجراءات محدودة من شأنها أن تشير إلى جدية نيّاتها دون التراجع عن العقوبات. وكان يمكن لمثل هذه الإجراءات، وفق خبراء المجموعة، أن تشمل تسهيل الحصول على قرض طارئ من «صندوق النقد الدولي»، أو تحويل الأصول الإيرانية المجمّدة المتحفّظ عليها في الخارج. لكن فريق بايدن امتنع حتى عن اتخاذ هذه الإجراءات، وغير راغب في جعل ما يعتبره المناهضون للصفقة في الولايات المتحدة دفعات مُقدَّمة في انتظار رفع العقوبات.
يشير المأزق الدبلوماسي إلى حقيقة غير مريحة، وهي أن إيران والولايات المتحدة دخلتا فترة ما بعد ترامب بتوقُّعات متضخّمة؛ اعتقدت طهران أن واشنطن ستعود إلى الاتفاق وستسمح بتخفيف كبير للعقوبات، فيما ظنّت الأخيرة أن الأولى كانت في أمسّ الحاجة إلى رفع العقوبات، إلى درجة أنها ستقبل بتلهّف الدخول في المفاوضات من دون أن تعلم مسبقاً ماهية العائدات التي يمكن تحقيقها. ونتيجة لذلك، تبقى الديناميّات الأساسية بين طهران وواشنطن غير مختلفة كثيراً عما كانت عليه قبل 20 كانون الثاني/ يناير، وفق ما يخلص إليه تقرير المجموعة.