مخططات التقسيم.. اليمن وفق المفهوم البريطاني

خالد اشموري

عندما نتحدث عن التقسيم البريطاني لليمن فيجب التذكير هنا بأن معظم مقترحات التقسيم أو خطط ومشاريع التقسيم كانت تستند إلى معرفة بجغرافيا وتاريخ اليمن إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية ، وسنجد أن العوامل الجغرافية والاقتصادية لعبت دوراً كبيراً في ذلك، فاليمن يمتلك جبهات بحرية واسعة وصالحة للملاحة طوال العام وموانئ ذات ميزة موقعية عالمية لا تتوفر في أي موانئ أخرى في الجزيرة, كما أن موقع اليمن البحري يتيح له إقامة مواقع حضرية ممتازة على طول السواحل واستغلالها كموانئ وأماكن سياحية ومواقع صناعية وتجارية في ضوء سوء توزيع السكان ويمكن الاستفادة من هذه التجمعات الجديدة عسكرياً وأمنياً,  وقد أعتمد المؤلف الروسي عزيز بيرادييف في كتابه بريطانيا وتقسيم اليمن على وثائق الهند البريطانية فيما أعتمد باحثون آخرون على وثائق الأرشيف البريطاني.

ولا يمكن رسم صوره متكاملة عن رؤية اليمن بالنسبة لبريطانيا دون الاستناد إلى كل تلك المراجع والوثائق فهناك ما يؤكد وما يوضح الأهداف البريطانية في اليمن من خلال وثائق حكومة الهند البريطانية تماماً كما هو الحال عليه في وثائق الأرشيف البريطاني.

ولعل أخطر ما ورد بشأن اليمن المخطط الذي يعتمد على تفسير الجغرافيا اليمنية بأنها المناطق الجبلية الداخلية فقط أي اليمن بدون عسير أو جيزان أو تهامة أو عدن أو المحميات البريطانية، فاليمن هنا يقتصر على الجغرافيا الزيدية مع بعض المناطق الشافعية أي من صعدة شمالاً حتى تعز جنوباً وما تبقى بما في ذلك البيضاء وبيحان دول أو إمارات أو مناطق لا يشملها اليمن.

1-   عندما وقعت الاتفاقية الإيطالية – اليمنية طلبت بريطانيا من إيطاليا توضيحاً عن اعترافها باليمن: هل اليمن الذي يضم كل جنوب غرب شبة الجزيرة العربية أم اليمن وفق المفهوم البريطاني.؟

2-   تواصلت بريطانيا مع الدول التي كانت تحاول عمل علاقة مع اليمن وقتها بهدف منع تلك الدول من الاعتراف بالإمام يحيى كحاكم على كل اليمن التاريخي بما في ذلك عدن وساهمت بريطانيا في إفشال أو تأجيل إقامة علاقات يمنية مع دول أجنبية منها مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وحاولت إفشال العلاقات اليمنية الإيطالية وكذلك العلاقات اليمنية السوفيتية.

وفي الحقيقة أن اليمن التاريخي تعرض لعملية تمزيق وتقسيم تحمل البصمات البريطانية بعد أن فشل البريطانيون في إدخال اليمن ضمن نفوذهم وهذا ما تؤكده الأحداث التاريخية فالشمال اليمني المتمثل بأقاليم عسير ونجران قدمت بريطانيا الدعم لابن سعود لضم كل تلك المناطق إلى مملكته، وبريطانيا نفسها من عملت على تحديد الحدود بين اليمن وعُمان فحاولت في البداية دراسة ما إذا كانت حضرموت إضافة إلى المهرة وظفار يمكن أن تشكل دولة ثم ذهبت نحو الرأي القائل بضم حضرموت والمهرة إلى عمان قبل أن تسهم المتغيرات في الإبقاء على المهرة وحضرموت ضمن اليمن.

وفي مرحلة أخرى نجدها تمنح إبن سعود ضوءاً أخضر لاتخاذ إجراءات لضم المهرة وحضرموت ضمن اتحاد فيدرالي كما سنعرف، كان ذلك ما يتعلق بالمناطق الشرقية وقبلها الشمالية امتداداً إلى جيزان ونجران وعسير، أما الغربية فقد كان هدفها الكبير يتمثل في احتلال الحديدة والمخا وإغلاق السواحل على الدولة اليمنية مع التخطيط لإحتلال تعز وفي السياق ذاته في اتجاه الجنوب، فعدن ترى إليها بأنها جزء من الأملاك الخاصة، فيما المحميات الشرقية والغربية تخضع للحماية البريطانية.

وقد ساهم الواقع الجغرافي اليمني في تشكيل هذه النظرة البريطانية تجاه اليمن فالتركيز على البحر من خلال السواحل والموانئ والجزر يعود إلى أهمية موقع اليمن البحري عسكرياً واقتصادياً ولهذا نجد البريطانيين يعملون على التركيز على السواحل والجزر والموانئ إضافة إلى مناطق الثروة كحضرموت وشبوة فيما يتم تجاهل اليمن الداخلي ليس لأنه ليس مهماً ، بل لأنه عصي على الانكسار والخضوع وهذا ما أثبته التاريخ فمركز الثقل السكاني في الهضبة الجبلية الشمالية الغربية والممتدة حتى تعز معقدة جغرافيا ًإضافة إلى أن سكان الجبال أكثر مقاومة من غيرهم وهذا لا يعني أن بقية اليمنيين لا يقاومون الغزاة، بل أن جميع اليمنيين عبر مراحل التاريخ سطروا تضحيات وملاحم بطولية من المهرة إلى سقطرى وحتى صعدة وعسير غير أن العقلية البريطانية لها نظرة خاصة لأبناء الجبال خاصة الزيدية نظراً للنزعة الاستقلالية الأكثر حضوراً لديهم وبروز المشاريع ذات الطابع السياسي السلطوي الحاكم من تلك المناطق لأسباب تاريخية وجغرافية وثقافية ولهذا نجد أن العقلية البريطانية وضعت حلولاً للتعامل مع أبناء الجبال أو يمن الداخل وهذه الحلول تتمحور حول نشر الفوضى ودعم الصراعات وتغذية الخلافات ليستمر اليمن الداخلي في حالة فوضى وصراع فيما السواحل محتلة وهناك مستعمرات ومحميات ونشاط اقتصادي ونهب ثروة كل ذلك لصالح المحتل.

الموقف البريطاني من اليمن المستقل:

رفض اليمن الخضوع للبريطانيين واتجه بإمكانيات ذاتية نحو مواجهتهم الأمر الذي دفع بريطانيا إلى محاصرته واستهدافه وشن الحرب عليه العسكرية والاقتصادية فقط لأنه رفض التبعية أو الدخول ضمن مناطق حمايتها وعمل على تدعيم ركائز استقلاله بجهود أبنائه وتضحياتهم ضارباً عرض الحائط بكل المغريات الأجنبية ورافضاً للتهديدات، وفي ذلك يقول الريحاني: أن اليمن أشرف الأقطار إسماً وأنزهها خطة وأمنعها جانباً لأنه وحده اليوم مستقل إقتصادياً عن الأجانب ويأبى التقيد بشيء من مالهم ، ولقد سمعت من العرب أن اليمن هو تلك البقية الباقية البقية الصالحة التي لا تنقاد بالسلاسل الذهبية إلى العبودية الاقتصادية، ذلك اقتصادياً، وأما عسكرياً فقد كانت جميع الحروب اليمنية الداخلية أو مع أطراف خارجية منذ 1918م تقف بريطانيا خلفها بشكل مباشر أو غير مباشر ويقول “ج انكارين” بعد الحرب العالمية: بقى اليمنيون لوحدهم عملياً ضد بريطانيا وكان يتحتم عليهم خوض نضال طويل وعنيد ضدها وفي هذا الصراع جرب العدو كل الأساليب لضعضعة الدولة اليمنية الفتية وبدأ بالاحتلال العسكري للحديدة إلى تنظيم الانتفاضات الداخلية وإلى تحريض الدول المجاورة والحصار الاقتصادي والرشوة والتجسس والقصف بالطائرات، وهكذا فقد حاول البريطانيون إعاقة قيام الدولة اليمنية المستقلة في 1918م إثر خروج الأتراك العثمانيين وكان من ضمن أجراءاتهم وخطواتهم:

أولاً: تسليم جزء من الساحل الغربي للادريسي واحتلال الحديدة ومن ثم تسليم الحديدة للإدريسي.

ثانياً: خنق اليمن إقتصادياً حيث أدى احتلال الحديدة إلى انعكاسات خطيرة على الوضع الداخلي لا سيما على الصعيد الاقتصادي وتأثرت الحديدة نفسها بذلك فقد تقلص عدد سكانها من 30 ألف إلى أقل من 10 ألاف.

ثالثاً: العمل على محاصرة اليمن المستقل من إقامة أية علاقات مع دول الخارج وتطويقه وعزله وفي هذا يقول “عزيز خودا” : لم يحرز الاستقلال شكلياً من بين كل الأقطار العربية إلا اليمن الشمالي لكن اليمانيين المطوقين بأتباع بريطانيا أضطروا أمداً طويلاً للنضال من أجل توحيد بلدهم وإحراز استقلالهم التام ويضيف كذلك: أن مخططات التقسيم البريطاني لليمن تتمثل في عزله عن ساحل البحر الأحمر وجعله في حالة تبعية وذلك بموجب ما ورد في وثائق الأرشيف الوطني الهندي.

رابعاً: إثارة النزعات الانفصالية لدى القبائل لا سيما في مراحل الصراع كما حدث في 1928م حيث اشترى البريطانيون الشيوخ ذوي الميول الانفصالية وأشعلوا العداوات المذهبية بين اليمنيين إلا أن معظم تلك المحاولات باءت بالفشل منها إلقاء المنشورات عبر الطيران وكان اليمن قد تعرض للقصف البريطاني ما بين 1927م و 1930م أكثر من مرة وقدرت الخسائر في تعز وحدها بمقتل 300 معظمهم من النساء والأطفال.

خامساً: تدبير النزاعات الحربية بين اليمن والسعودية بغية تقوية السيطرة البريطانية على كلا البلدين.

سادساً: حرمان اليمن من أي منفذ إلى البحر وقطع كل الصلات الاقتصادية والتجارية بين الساحل والمناطق الداخلية وحصر تجارة المناطق الجبلية والداخلية إلى عدن.

المصدر: تقسيم اليمن – بصمات بريطانية للباحث- عبدالله بن عامر الطبعة الأولى – 2020م.

Exit mobile version