سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الضوء على ازدهار العلاقات بين دول الخليج و”إسرائيل”. مشيرةً إلى أن هناك تعاون بين دول الخليج وتل أبيب لقمع الحريات.
وقالت المجلة الأمريكية، إن التعاون الإسرائيلي يتم مع عدد من دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي تنفي رسميا أنها تجري أي أعمال تجارية مع “إسرائيل”.
وكشفت المجلة، في تقريرها أن التعاون الأبرز هو في المجال الأمني ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي, ونقلت عن إليزابيث تسوركوف، الزميلة في معهد “نيولاينز للاستراتيجية والسياسة”، قولها إن التعاون التجاري حتى الآن كان في تقنيات المراقبة، والتي قد تنمو ولكن بتكلفة.
وأضافت: “سيزيد ذلك من القدرات القمعية لدول الخليج، وقدرتها على تعقب المنشقين ومراقبة اتصالاتهم الخاصة. لذلك، فإن من المرجح أن يكون التعاون الإسرائيلي الخليجي ضارا جدا بالحريات السياسية”.
وقال التقرير، إن ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، شموئيل بار، فوجئ بشكل سار عندما تلقى مكالمة عبر تطبيق واتساب من السعودية, لقد كان الأمر مفاجئا تماماً، كما قال، وأيضا تأكيدا على التقدم التدريجي الذي حققته “إسرائيل” في بناء علاقات مع دول الخليج المفترض انها من الدول المعادية تاريخياً.
وحسب المجلة، عمل بار في المخابرات الإسرائيلية لمدة 30 عاما، ثم أسس فيما بعد شركة “IntuView”. وهي شركة تعمل على تفحص محتوى وسائل التواصل الاجتماعي بحثا عن التهديدات الإرهابية, وكانت وكالات الاستخبارات والهيئات الأمنية في أوروبا وأمريكا والهند من بين زبائنه. والآن، أصبح السعوديون مهتمون بتوظيف خبير البيانات الإسرائيلي للمساعدة في سياسات مكافحة الإرهاب وأكثر من ذلك.
وتقول المجلة، إن الحكومة السعودية تنفي رسمياً أنها تجري أي أعمال تجارية مع “إسرائيل”. وتصر على أن التطبيع يعتمد على موافقة “إسرائيل” على مبادرة السلام العربية. التي تدعو إلى دولة فلسطينية منفصلة, لكن وراء الأبواب المغلقة، يزدهر التعاون بين الإسرائيليين والعديد من دول الخليج.
شهدت العلاقات تغيراً جذرياً بعد أن وقع الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 ورفع العقوبات عن طهران في عام 2016، وفجأة أصبح لدى إيران المزيد من الأموال، وزادت تمويل حلفائها في لبنان وسوريا والعراق، حيث كانت توسع نفوذها الإقليمي. كان هذا يمثل تهديدا واضحا لـ “إسرائيل” وخصوم إيران الإقليميين، وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ذات الأغلبية الشيعية ويحكمها ملك محسوب على أهل السنّة..
وبعد عام، فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وأثبت أنه هبة من السماء لحلفاء أمريكا التقليديين, وبتشجيع منه نجحت “إسرائيل” في توقيع اتفاق “أبراهام”، وهو اتفاق تطبيع مع الإمارات والبحرين. وعلى الرغم من أن السعوديين لم يوقعوا بعد على معاهدة، إلا أنهم متحمسون بقوة للتوجه المناهض لإيران.
الآن، بينما يتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، تعمل “إسرائيل” على تعزيز تحالف. لم يكن من الممكن تصوره مع شركائها العرب من خلال التعاون الاستراتيجي والتكنولوجي والتجاري, ففي الشهر الماضي فقط، دعت “إسرائيل” إلى تشكيل تحالف مع السعودية والإمارات والبحرين لإستهداف إيران, ووقعت “اسرائيل” اتفاقيات مختلفة مع الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية، في السياحة والصحة والزراعة وقطاع المياه, ووفقا لتقدير أولي، فإن من المتوقع أن تزداد التجارة الثنائية بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة من 300 ألف دولار إلى 500 مليون دولار سنويا.
ووافقت “إسرائيل” أيضا على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر، التي وقعت معها معاهدة سلام عام 1979 وقامت بتعاون أمني متقطع معها منذ ذلك الحين.
وفي أواخر الشهر الماضي، في زيارة نادرة، زار وزير مصري رفيع القدس المحتلة، ووقع اتفاقية تربط حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر المتوسط. بمنشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية عبر خط أنابيب تحت الماء لتصدير الغاز إلى الدول الأوروبية.
وتحاول “إسرائيل” أيضا تلطيف مواقف الدول المعادية لها. فاشترت لقاح فيروس كورونا الروسي، ظاهريا بموجب صفقة تبادل الأسرى لسوريا. وهي حليف لإيران وعضو في محور المقاومة لـ “إسرائيل”.
وقال بار، إن التعاقد مع شركته كان مجرد مثال واحد على التغيير الهائل في علاقات “إسرائيل” مع دول الخليج على مدى السنوات القليلة الماضية. وتلقى الاتصال السعودي في 2018، لكن دولا خليجية أخرى انضمت إلى القائمة.
وقال بار: “عادة ما يكون التعاون الاستراتيجي القابل للتطبيق من أسفل إلى أعلى.. عندما تكون هناك مصالح تجارية، تشير النخبة الاقتصادية للقيادة السياسية إلى أن للبلد مصلحة راسخة في هذه العلاقات”.
وتعمل “إسرائيل” على تعزيز التعاون الاستراتيجي من خلال إنشاء مجموعات ضغط ذات مصلحة راسخة في العلاقة من خلال علاقات تجارية جيدة, وتعمل دوائر الأعمال التجارية على زيادة المصلحة في “السلام” وتقليل فرص الصراع, وتتفهم “إسرائيل” ذلك وتأمل أنه بدلا من أن يُنظر إليها على أنها “أمة حرب”، كما كان الحال، يمكنها إثبات قيمتها كحليف، وليس فقط ضد إيران.
وحسب المجلة، فإن “إسرائيل” مستعدة للتعاون في المجالات التي قد تتردد فيها حتى الشركات الأمريكية بسبب سجل حقوق الإنسان في الخليج، على سبيل المثال، مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت إلى أن هذا سبب إضافي للتعاون هو الإرهاق العام للدول العربية من القضية الفلسطينية وتقديم الهويات الوطنية على الهوية العربية الموحدة.
ويقول المحللون إن العديد من دول الخليج، أو على الأقل شرائح كبيرة من سكانها، لا يرغبون في البقاء رهائن القضية الفلسطينية بعد الآن ويرون العلاقات مع “إسرائيل” ضرورية لتنويع اقتصاداتها.
لقاء نيوم
وسرب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تقارير عن لقاء سري بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالقرب من نيوم، المدينة المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار والتي تعد حجر الزاوية في الخطة الاقتصادية لولي العهد السعودي 2030 والتي يجري بناؤها بالقرب من مدينة إيلات السياحية “الإسرائيلية”، على جانب البحر الأحمر وخليج العقبة.
وحسب المجلة، فإن ذلك أثار تكهنات ليس فقط حول كيفية تعاونهم ضد إيران، ولكن أيضا أن الشركات “الإسرائيلية” قد تلعب دورا في بناء المدينة.
وقال عزيز الغشيان، المحلل في علاقات السعودية بـ “إسرائيل”، إن نيوم تعتبر الساحة الجديدة التي قد يتعاون فيها البلدان بعد ذلك.
وأضاف: “بشكل عام، تتجه السعودية نحو تحويل اقتصادها وجعله معتمدا على التكنولوجيا أكثر من اعتماده على النفط، ويمكن لإسرائيل المساعدة في ذلك”.
وتابع: “ما تعنيه نيوم هو أن الحافز للسعودية وإسرائيل للتعاون بشكل علني يتزايد. كما أنه يشير إلى أنه إذا كانت للسعودية وإسرائيل علاقات طبيعية أو علاقات مفتوحة من نوع ما. فسيكون ذلك بدافع من الازدهار السعودي وليس مواجهة إيران”.
صفقات سرية
وقال يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، إنه بينما لا تزال العديد من الصفقات سرية. فإن العلاقات الآن علنية أكثر من ذي قبل.
وأضاف لمجلة فورين بوليسي: “إسرائيل تحصل على الشرعية، من الخليج، والآن لم يعد من الضروري لإسرائيل أن تختبئ في الخليج كما كانت في السابق”.
وأضاف جوزانسكي إنه علاوة على ذلك، فإن عداء بايدن تجاه محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي. وبشكل عام بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة وكذلك الإمارات ومصر، يعمل في الواقع على تعزيز العلاقات.
وحسب قوله، فإن العلاقات المتوترة بين واشنطن والرياض تؤدي إلى تشكيل رباعي جديد؛ “إسرائيل” والسعودية والإمارات والبحرين. قد نراهم يقتربون بينما يدير بايدن البيت الأبيض.
انقسام الشرق الأوسط
وأشارت المجلة، إلى انقسام الشرق الأوسط حالياً بين هذه الكتلة السعودية وإيران وتركيا. قائلةً: “ليست إسرائيل على خلاف مع تركيا بشكل خاص، لكنها منزعجة من دعمها لحركة حماس”.
وتابعت: “الكتلة السعودية منزعجة من دعم تركيا للإسلاميين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين، التي لها فروع محلية في الخليج. ويخشى قادة تلك الدول. من الشعبية المحتملة الكافية لتخريب حكمهم الملكي. وسوف تستفيد إسرائيل من هذا التنافس أيضا”.
وقال كوبي هوبرمان، المؤسس المشارك لمركز أبحاث إسرائيلي يعمل في مجال التعاون الإقليمي: تركز سياسة “إسرائيل” على إضعاف قدرات قوات العدو “المتطرف” بدءا من إيران إلى حزب الله وحماس وغيرهما.
وتابع: بالإضافة إلى ذلك، تهدف “إسرائيل”، جنبا إلى جنب مع الدول العربية الأخرى، إلى منع التأثير السلبي لحركات الإخوان المسلمين وقواها، التي تدعمها وتمولها تركيا وقطر.
واستدركت المجلة: لكن في حين أن نتنياهو يحب الترويج لعلاقات “إسرائيل” المحسنة على أنها إنجازه الخاص في الانتخابات المقبلة في 23 آذار/ مارس. وهي الرابعة في العامين الماضيين، فإن هناك خطرا بأن تحقيق الكثير من التعاون، في فترة قصيرة جدا، قد يأتي بنتائج عكسية.
نفوذ “إسرائيل” في الخليج
وقال محللون “إسرائيليون” آخرون إنهم قلقون من أن “إسرائيل” قد تفقد نفوذها في الخليج في ظل رئاسة بايدن. فعلى مدى عقود. حسنت الدول العربية علاقاتها مع “إسرائيل” لطلب عفو أمريكي عن تجاوزاتها في الداخل. ولكن بما أن “إسرائيل” نفسها موضع تمحيص لبايدن الآن، فإنها بالكاد تستطيع التوسط لهم لدى أمريكا.
وتأمل “إسرائيل” في تقديم نفسها كقوة ناعمة في المنطقة، هدف جميل لكن لا يمكن تحقيقه طالما استمرت في ضم الأراضي الفلسطينية. وداخل مجتمع الخبراء “الإسرائيلي” أيضا، يتم انتقاد بعض سياسات الحكومة، خاصة عندما تنطوي على المساعدة في قمع المعارضة في الدول العربية.
المصدر: فورين بوليسي