كانت الآمال معلّقة بشكل كبير، وخصوصاً من قِبل الجمهور البرتقالي، على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فتفاجأ هذا الجمهور ومعه كل الشعب بـ”جهنم” التي وصل إليها البلد.
من يعد بالكثير يُطلب منه تطبيق ولو جزء بسيط من وعوده، وهنا يتفق الجميع على أن الرئيس عون ليس المسؤول الوحيد الذي أوصل البلد إلى الهاوية، لكن الصدمة كانت كبيرة لأن الجنرال يقف مكتوف اليدين أمام كل هذه المصائب.
يغرق لبنان يوماً بعد يوم في العتمة من كل النواحي، وإذا كان ملف الكهرباء الذي استلمه “التيار الوطني الحرّ” منذ 13 عاماً أكبر دليل على الفشل، إلاّ أنه بإمكان رئيس الجمهورية فعل الكثير حتى لو “جُرّد” من بعض صلاحياته بعد اتفاق “الطائف”.
ويبدو المشهد مغايراً في قصر بعبدا عن صورة رؤساء الجمهوريات الذين مروا بعد “الطائف”، فقد أحضر عون أفراد أسرته إلى القصر الجمهوري وسلّمهم مراكز حسّاسة في ظاهرة نادرة جداً، ولولا نفوذ رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل لاستمر هذا الإطباق العائلي. فمحاولة باسيل التفرّد بقرار دوائر بعبدا أقصت الابنة الأولى ميراي عون، ومن ثمّ دبّ الخلاف بين باسيل والنائب شامل روكز ما أبعد أيضاً الإبنة الثانية كلودين عون عن دوائر القرار، وبات مشهد القصر يتحكّم به كل من باسيل والوزير السابق “المستشار” سليم جريصاتي.
ومنذ فترة، رأى باسيل أن المعركة لا تحتمل التراخي والإدارة عن بعد، فقرر المكوث في القصر الجمهوري ليشرف على كل شاردة وواردة، وبات مقرّه في الرابية شبه خالٍ وكذلك المقرّ الصيفي في اللقلوق.
ومعروف أن العلاقة ليست في أحسن أحوالها بين باسيل وجريصاتي، فالأخير يُعتبر “وديعة” سوريا و”حزب الله” في بعبدا وهو العين الساهرة لهذا المحور على القرارات، ويعتبر نفسه بمثابة “الرجل الأول” في العهد.
وتركت خطوة باسيل بانتقاله شبه الكامل إلى القصر الجمهوري ونقله مستشاريه معه خوفاً في نفس جريصاتي وبدأ القلق يرتابه خصوصاً إذا تقلّص دوره، ولذلك أصبح يُزايد في الدفاع عن عون، وظهر هذا الأمر جلياً خلال اللقاء الأمني والإقتصادي الذي عُقد الإثنين الماضي في قصر بعبدا، حيث تحدّث جريصاتي بلغة فوقية أمام المسؤولين والحضور، واعتبر أن ارتفاع سعر الدولار ومن ثمّ قطع الطرق هما مؤامرة على العهد، وذهب بعيداً في الدفاع عن عون وكأنه كان مناضلاً في صفوف “التيار”، وزايد في التحدّث عن ماضي عون “النضالي” ومن ثمّ عن استهدافه حاضراً، واتسمت لغته بـ”التبييض والتطبيل” للجنرال، علماً أن تاريخ جريصاتي كان في الضفة الأخرى التي واجهت جمهور “التيار الوطني الحرّ” وزجّت معظم شبابه في السجون.
إذاً، حالة ضياع تُسيطر على دوائر القصر الجمهوري بعد قدوم باسيل ومخاوف جريصاتي، فباسيل يعتبر أنه يخوض الآن معركة حياة أو موت سياسية، فهو مطوّق أميركياً من خلال العقوبات الأخيرة، والروس والفرنسيون يصبّون جام غضبهم عليه وأبواب الخليج مقفلة أمامه، في حين أن خسارته الأكبر هي في الداخل من خلال تشكيله عامل إستفزاز للناس، لذلك فإن سكنه في بعبدا يدلّ على نيته في المواجهة وإمساك ختم الرئاسة حتى لو لم يكن رئيساً، لأنه يدرك أن احتمال جلوسه مكان “عمّه” على الكرسي بات شبه مستحيل.
يُشكّل كل رئيس أو مسؤول فور تولّيه سدّة المسؤولية فريق عمل مهمته إدارة الوضع خصوصاً في فترات الطوارئ، وما يحصل في بعبدا حالياً بين الصهر والمستشار ومحاولة الحفاظ على مناطق نفوذ في القصر يُعتبر هامشياً أمام الخطر الذي يضرب الوطن، فالبلد طار، والحكّام في مكان آخر، يتقاتلون على الحصص والنفوذ.