|
خيرالله خيرالله -أساس ميديا- الخميس 11 آذار 2021 |
تختزل مأساتا سوريا ولبنان حكاية رجل يعيش خارج التاريخ والجغرافيا، لم يدرك في العام 2005 النتائج التي ستترتّب على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه يوم الرابع عشر شباط من ذلك العام.
يدفع سوريا ولبنان حاليًّا ثمن اغتيال رفيق الحريري.
إن دلّ مرور عشر سنوات على الثورة الشعبيّة في سوريا على شيء، فهو يدلّ على وجود رغبة لدى بشّار الأسد في الذهاب إلى النهاية في تفتيت سوريا ومعها لبنان. ليس إصراره على البقاء في موقع رئيس الجمهورية، سوى دليل على عجزه عن استيعاب ما الذي حلّ بسوريا في عشر سنوات، وكيف أنّ اغتيال رفيق الحريري مهّد لذلك التحوّل، بل كان منعطفًا وبمثابة الطريق الأقصر إليه.
غطّى النظام السوري الجريمة من منطلق يؤكّد التقاء الجهل والحقد والعنجهية لديه من جهة، والهرب من أزمته الداخليّة من جهة أخرى. كان أفضل من عبّر عن ذلك إميل لحّود، رئيس الجمهورية اللبنانية وقتذاك، الذي دعا إلى تنظيف مسرح الجريمة “كي تتمكن الناس من الانصراف إلى أعمالها”، واصفًا ما حدث بانّه “رذالة”. الأكيد أنّ إميل لحّود استند إلى حسابات بائسة لدى الذين أوصلوه إلى رئاسة الجمهورية. كانت هذه الحسابات تقوم على أنّ شخصيات لبنانية كثيرة اغتيلت منذ العام 1977، بدءًا بكمال جنبلاط ، ولم يحصل شيء… بل وكأنّ شيئًا لم يكن.
لم يتغيّر شيء في سوريا، لا بعد اغتيال رفيق الحريري، ولا بعد الثورة الشعبية التي صار عمرها اليوم عشر سنوات. هناك نظام لا يريد أن يتعلّم من الأحداث. هذا كل ما في الأمر. هناك بكل بساطة نظام يعتقد أنّ مهمته الانتهاء من سوريا. وهذا ما ينفّذ بالفعل على أرض الواقع تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”. ليس مهمًّا احتراق البلد الواقع تحت خمسة احتلالات (الإيراني والروسي والأميركي والتركي والإسرائيلي). المهمّ بقاء بشّار الأسد في دمشق… بغضّ النظر عمّا يحلّ بسوريا. يبدو واضحًا أنّ النظام لا يزال قائمًا، لأنّ هناك مهمّة لا تزال مطلوبة منه، هي مهمّة الانتهاء من سوريا.
اندلعت الثورة السورية في مثل هذه الأيّام قبل عشر سنوات. كانت ثورة طبيعية ومتوقعة لشعب حُرم من أبسط حقوقه طوال سنوات عديدة. عاش هذا الشعب منذ الانقلاب البعثي في الثامن من آذار 1963 ثمّ منذ تولّي الضباط العلويّين السلطة في 23 شباط 1966 في مواجهة نظام يؤمن بإلغاء الآخر. بعد الانقلاب الذي نفّذه حافظ الأسد، أخذت توجهات النظام بعدًا جديدًا. لم يعد حافظ الأسد مهتمًّا فقط بإلغاء أيّ معارضة داخلية عن طريق القمع، على طريقة مجزرة حماة. قرّر، خصوصًا بعد حرب تشرين في 1973، وهي حرب أوجدت شرعية شكلية لنظامه، إيجاد موقع إقليمي لسوريا ودور لها خارج حدودها. عمل من أجل ذلك في ظلّ سياسة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل، وهي سياسة في أساسها بقاء جبهة الجولان صامتة من جهة، والسعي إلى الإمساك بالورقة الفلسطينية إمساكًا مُحْكمًا عن طريق وضع اليد على لبنان من جهة أخرى.
تخلّى بشّار الأسد، الذي ورث سوريا في العام 2000، عن كلّ التوازنات الدقيقة التي عرف والده كيفية التحرّك في إطارها. لم يستوعب في أيّ وقت، أنّ رفيق الحريري ضمانة لسوريا ولبنان في الوقت ذاته، ولإمكان تطورهما وازدهارهما. لعلّ أهمّ ما عجز عن استيعابه خطورة الدخول في اللعبة الإيرانية التي أوصلت سوريا إلى ما وصلت إليه، بعدما اعتبر النظام القائم في طهران أنّ عليه المحافظة على النظام الأقلّوي في دمشق بأيّ ثمن كان.
يدفع سوريا ولبنان حاليًّا ثمن وصول بشّار الأسد إلى السلطة. يدفع البلدان اللذان تحوّلا إلى دولتين فاشلتين، ثمن السقوط في الفخّ الإيراني ووراثة إيران لسوريا في لبنان بعد 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري.
لا شكّ أنّ حافظ الأسد أسّس عمليًّا للعلاقة مع إيران، من منطلق مذهبي أوّلًا، ولعب دورًا في تمكين “الحرس الثوري” من دخول الأراضي اللبنانية في العام 1982، لكن ما لا مفرّ من الاعتراف به أيضًا، أنّه حافظ على علاقات مع العرب، خصوصًا مع المملكة العربيّة السعوديّة. حافظ على هذه العلاقات في عزّ دعمه لإيران في حربها مع العراق بين 1980 و1988. كانت حساباته دقيقة إلى درجة أنّه دفع معمّر القذافي إلى إرسال شحنة صواريخ إلى إيران، حتّى لا يقال إنّ بغداد قُصفت بصواريخ أرسلتها سوريا إلى “الجمهورية الإسلاميّة”.
لم يكن تفجير رفيق الحريري ورفاقه، على رأسهم باسل فليحان، جريمة لا تُغتفر فحسب، بل أنّ الأمر يتعلّق أيضًا بفكر عقيم، لا يدرك معنى أن يكون القرار في سوريا، وبالتالي في لبنان، قرار إيران. لا يدري بشّار الاسد أنّه لم يعد من السهل اقتلاع إيران لا من سوريا ولا من لبنان. لعلّ أكثر ما لا يدركه، أنّ “الجمهورية الإسلاميّة” ليست جمعية خيرية، وأنّ استثمارها في بقاء النظام يعني أنّ هناك ثمنًا لا بدّ لسوريا من دفعه.
كان بشّار الأسد في العام 2000 أمام خيارين: الخيار الإيراني وخيار الانفتاح على العرب والعالم. أبى إلّا أن يكون أسير إيران، أي أسير لعبة لا أفق لها. يسعى إلى خوض انتخابات رئاسية، مزوّرة سلفًا، من دون أن يسأل نفسه ولو مرّة واحدة، ما العمل بالدمار الذي لحق بسوريا، حيث لم يبقَ فيها حجر على آخر في مدن وبلدات كثيرة. إنّها مرحلة لم يعد فيها من يعيد بناء سوريا مثلما فعل رفيق الحريري في الماضي، الذي أعاد بناء وسط بيروت، وجزء كبير من البنية التحتيّة اللبنانية، وساعد في تطوير سوريا. ما العمل مع أشخاص لا يعرفون الفارق بين الهدم والبناء؟ بين ثقافة الحياة وثقافة الموت؟