تبيه البرجي-الدياار
قد نكون بحاجة الى ليلى عبد اللطيف، وقد حلت محل الأنبياء، ومحل ذلك الفائض من أساقفة الدنيا وأساقفة الآخرة، في قراءة الغيب، لكي نعلم ما جدوى الزيارات السندبادية التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري لأهل الشرق والغرب.
لعل الغاية من كل تلك التضحيات أن يقول لنا، نحن الأغبياء، أنه رجل العرب في لبنان، ورجل العالم في لبنان. يا صاحبي، كل ما نريده منك أن تكون رجل لبنان في لبنان، بعدما أصبحت، بتلك الطلة البهية، شريكاً في قتل الزمن.
لا نتصور أن رئيس تيار المستقبل المنشغل في حل مشكلات المريخ، قد قرأ وصف ريجيس دوبريه لنيكولا ساركوزي، حين وقف تحت قوس المحكمة «هذا قاتل فرنسا». المفكر الفرنسي الذي كان رفيق تشي غيفارا في أدغال أميركا اللاتينية، دعا الى اضافة مادة جديدة في قانون العقوبات بملاحقة، وادانة، قتلة الزمن في بلادهم.
نحن جماعة «هالكم أرزة العاجقين الكون» بتنا عالة بين الدول. استغراب كيف أن عروش التنك لا تسقط بالرغم من كل الهزات المدمرة التي تضرب لبنان. رئيس احدى البلديات اضطر لتوظيف الحمير بعدما عجزت الدولة عن جرف الثلوج عن طرقات البلدة. وزير الطاقة بشرنا بأنه سيستورد الطنابر بدل السيارات، وقناديل الكاز، بدل المصابيح. حجته الفلسفية، والاستراتيجية، أن كائنات فضائية انقضّت على خزينة الدولة (مغارة علي بابا) وأفرغتها من محتوياتها.
هذه تجليات الزمن الجميل أيها الرفاق. العودة الى العتابا والميجانا بدل الطقاطيق التي على الشاشات، والتي (الآن) تهز قلوبنا، وتهز بطوننا الخاوية حتى من الفلافل، اختراعنا الفذ، الذي أثار ذهول ألبرت اينشتاين…
الزيارات، واللقاءات، تحت الكاميرات، وقد تحولت الى كوميديا سوداء. هل أتت بدولار واحد الى الخزينة الفارغة، وهل أدت الى خطوة واحدة في الطريق الى تشكيل الحكومة، لتتحقق… معجزة القرن!
واذا كان العهد (عهد خراب البصرة) قد انتهى، ووري الثرى، في نظر مصطفى علوش، كيف يمكن غسل يدي الرئيس المكلف من كل ذلك الخراب ؟ لا مجال لتبرئة أحد من تهمة جرنا، من أقدامنا، الى جهنم…
بالمناسبة، ليلى عبد اللطيف الأكثر تألقاً من زرقاء اليمامة لأنها ترى ما وراء الزمان، وليس فقط ما وراء المكان، تنبأت لجيري ماهر، مستشار بهاء الحريري وحامل مفاتيح بيت المال، بمستقبل عظيم. اذا كان المستقبل العظيم للمستشار، أي مستقبل لمعلمه الذي علينا أن نتوقع فتحه للبنان مثلما فتح الاسكندر ذو القرنين يلاد السند والهند؟
نستطرد ونسأل لماذا كل ذلك الدوران العبثي (والبهلواني) حول الحقيقة. نستعيد، للضرورة البعيدة المدى، وصف هنري كيسنجر للبنان بـ «الفائض الجغرافي» وقد أخذ به مهندسو «صفقة القرن» التي تبنتها قوى لبنانية «على عماها» آرييل شارون وصفه بـ «الخطأ التاريخي»، وهو لا يزال كذلك في رأي الجنرالات والحاخامات في «اسرائيل».
نتصور أن شارون أخذ المصطلح من برنار ـ هنري ليفي الذي سبق ورأى أن الأزمة في لبنان هي أزمة دولة لم يعد هناك من منطق لبقائها. الحل ينطلق من هذه النقطة بالذات، بعد اقتطاع آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي السورية. دولة للمسيحيين، ودولة للسنة، ودولة للشيعة، ودولة للدروز. غرنيكا…
ليفي اعتبر أنه منذ اعلان الجنرال هنري غورو دولة لبنان الكبير، والصراع بين قطبي الرحى على قدم وساق. ملاحظاً، أن اللبنانيين يدارون من القناصل بالريموت كونترول. الأزمة بقيت تتفاعل حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، ودون أن يتمكن اتفاق الطائف، بتركيبته الهشة والمعقدة، من بناء لبنان الآخر. وفي نظره أن الساحة اللبنانية عادت الى «التفاعل الزلزالي» تمهيداً لحرب أهلية أخرى.
لم يتوقف هنا. اذا أراد لبنان البقاء عليه اقامة «علاقة وجودية» مع «اسرائيل»، وهذا ما يراه جزء لا يستهان به من اللبنانيين والعرب، باعتبار «أن سوريا انتهت، وباتت عالة على اللبنانيين والسوريين».
ما يفعله أولياء أمرنا أنهم يفرشون السجادة الحمراء أمام بنيامين نتنياهو…