كلير شكر-نداء الوطن
يكثّف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في هذه الأيام من رحلاته الخارجية، بينما تشهد المنطقة حراكاً نوعياً يشي بأنّ زمن المتغيّرات الاقليمية قد انطلق. ومع ذلك، لا تزال حكومة الحريري عالقة في خرم الخلافات الواقعة بينه وبين الفريق العوني الذي يتّهم رئيس “تيار المستقبل” بأنّه عاجز عن القيام بمهمة التأليف بسبب الفيتو السعودي الذي يحاصره، فيما يعتبر الحريري أنّ العهد بركنيه المكوّنيْن من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يفاوضان على شيء آخر، عبر ورقة الحكومة، على ما هو أبعد منها، ولذا يرفضان التقدّم خطوة للأمام.
لا أحد يعرف تماماً ما هو التوقيت السياسي الذي يسمح للحكومة بالخروج من نفق التجاذبات في وقت تزداد الإشارات والمؤشرات بأنّ لحظة الانفجار الشامل باتت وشيكة جداً، وقد تحصل في ليلة لا ضوء قمر فيها، خصوصاً اذا كانت عقارب الحكومة مسيّرة على ساعة المشاورات الدولية حول الملف النووي الإيراني. اذ دلّت الوقائع أنّ الوضع الداخلي المقبل على انهيار حتميّ، لم يعد يحتمل البقاء في ثلاجة الانتظار إلى وقت غير محدد.
وقد سبق للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن نصح بالفم الملآن عدم تعليق الحكومة على شمّاعة التطورات الخارجية التي قد تطول كثيراً، والأرجح أنّ هذه النصيحة كانت موجّهة للحلفاء قبل الخصوم خصوصاً وأنّ جبران باسيل لمّح في أكثر من مناسبة إلى حتمية حصول التفاهم الأميركي- الإيراني، والذي يعتقد أنّه “سيطبش” الكفة على المستوى الداخلي، لمصلحته. ولذا لا يمانع الانتظار مفضّلاً عدم تقديم أي تنازل في هذه اللحظة، طالما أنّ الأمور ستكون في المستقبل لمصلحته.
وقد أعرب وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق عن اعتقاده أن الحكومة لن ترى النور قبل منتصف الصيف المقبل، ذلك لأنّه لا امكانية بنظره من تأليف حكومة من دون “حزب الله” كما لا فائدة من تأليف حكومة في هذه اللحظة بمشاركة “حزب الله”، فضلاً عن الصراع الإيراني- الإيراني عشية الانتخابات الرئاسية الذي يحول برأيه دون تقديم أي تساهل من جانبهم في أي ملف من ملفات نفوذهم.
ومع ذلك، لم ييأس مدير عام الأمن العام اللواء ابراهيم، ولم يضع مبادرته جانباً. حتى اللحظة يتصرف طرفا الخصومة، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، على وصفها مبادرة غير رسمية، بمعنى أنّ ابراهيم لا يحمل طرحاً رسمياً من جانب قصر بعبدا، وإنما هي محاولة لتهيئة أرضية تفاهم قد تساهم في تذليل العقبات بين الفريقين.
ويقوم طرح اللواء ابراهيم، على تأليف حكومة من 18 وزيراً، لا ثلث معطلاً فيها، يتولى فيها الفريق العوني تسمية خمسة وزراء إلى جانب الوزير الأرمني، على أن تتم تسمية وزيري الداخلية والعدل بشكل تفاهمي بين عون والحريري، بحيث يطرح الأول مجموعة أسماء لوزارة الداخلية ليختار منها الثاني اسماً، فيما يتولى الثاني اقتراح مجموعة أسماء لوزارة العدل فيختار منها الأول اسماً.
وفق المتابعين، فإنّ الحراك الذي أظهره الشارع خلال الأيام القليلة الماضية، والموقف غير المعهود الذي سجّله قائد الجيش العماد جوزف عون، قد يكونان رفعا من منسوب الخشية لدى قصر بعبدا مما ستحمله الأيام المقبلة، اذا ما اعتبرنا أنّ حراك الأيام الأخيرة هو أول الغيث لما قد يحصل في الفترة المقبلة، ومقدّمة لضغط أكبر متوقع، بالتوازي مع ضغط دولي يحصل خلف الكواليس في سبيل اخراج الحكومة إلى الضوء. وكلها عوامل قد تدفع في أي لحظة إلى وضع الخلافات جانباً والبحث عن صيغ تفاهمية. والتجارب بين الفريقين عن سيناريوات من هذا القبيل، كثيرة.
ومع ذلك، فقد بدا تعاطي الفريقين مع التطورات على قاعدة الدجاجة والبيضة: فالرئيس الحريري ينتظر إشارة من قصر بعبدا بمعنى تحديد موعد لكي يتوجه إلى القصر، فيما الرئاسة تنتظر من رئيس الحكومة أن يبادر إلى طلب الموعد!
قال النائب السابق مصطفى علّوش صباح أمس إن “الحريري قد يتوجّه الى بعبدا إذا التمس معطيات جديدة في الملف الحكومي”، في إشارة واضحة تدلّ بأنّ هذا الفريق يخشى من أن يكون الطرح مجرّد مناورة من جانب القصر لا تستهدف إلا تقطيع الوقت. ولذا يقول هؤلاء إنّه “لا بدّ من إشارات جدية قبل توجه الحريري إلى بعبدا لكي لا نزيد من إحباط الناس… من دون حسم طبيعة هذه الإشارات، وليس المطلوب موقفاً رسمياً من مبادرة ابراهيم أو تبنياً كاملاً لها، لكن لا بدّ من تعاط جديّ لكي يجلس الرجلان وجهاً لوجه ويتحاورا في مصير الحكومة”.