لا تستطيع القوى التي حاولت ملء الفراغ الناجم عن غياب الحشود الشعبيّة التي غادرت ساحات 17 تشرين عام 2019 ولم تعّد إليها خلال عام ونصف، إنكار أنها كانت حاضرة لفعل الشيء نفسه في يومي 8 و9 آذار تحت شعار أيام الغضب، وتتصدّر مجموعات الحراك المصنفة كمنظمات مجتمع مدني واجهة هذه القوى وتليها بالتتابع مجموعات حزب الكتائب الذي أعلن اندماجه بالـ«ثورة» والقوات اللبنانية التي قالت إن شبابها يشاركون بصورة طبيعية كجزء من الشعب الغاضب، وبصورة أقل جماعات محسوبة على تيار المستقبل وفي بعض الأحيان مجموعات اشتراكية، ووفق خريطة الانتشار الجغرافي لقطع الطرقات كان واضحاً أن القوى ذاتها كانت حاضرة يومي 8 و9 آذار.
لمس اللبنانيون بوضوح تراجع زخم الحراك وحجم الحضور، كما سمعوا لغة عدائيّة للشعب يوجهها الناشطون واتهامه بكل النعوت السيئة من الخنوع والخضوع والتبعيّة لعدم استجابته لنداءات المشاركة، وتساءل اللبنانيون عن الصفة التي يتحدث بها هؤلاء الذي يزعمون أنهم يمثلون الشعب وهم يشتمونه، وكيف يجرؤون على الحديث عن الاحتكام الى انتخابات مبكرة او في موعدها وهم يفشلون في حشد المئات الى الشارع ويعتبرون أن الشعب غير مؤهل للانضمام الى «ثورتهم».
هذا الانكفاء الشعبي فرض على الجيش المسارعة لقرار فتح الطرقات الذي قال بيان قائد الجيش إنه لم يكن مستعجلاً لتنفيذه، وصار قرار فتح الطرقات إنقاذاً للذين قرّروا هذه الموجة من «ثورتهم» الفاشلة، بكل تلاوينهم المعلومة، وهم يعلنون براءتهم اليوم من «الثورة» التي كانوا يتنافسون على ادعاء أبوتها.
بعد كلام قائد الجيش والأسئلة التي طرحها في الوسط السياسي، دخل عامل جديد على المعادلة السياسية، فاللاعبون الذي اعتادوا ان يكونوا وحدهم في العلاقة بين السياسة والشارع باتوا يخشون من أن تصبّ تحركاتهم الماء في طاحونة اللاعب الجديد الذي يملك قدراً من المصداقية عند الشعب لا يملكونه، ويملك احتراماً في العلاقات الخارجية لا يملكون مثله رغم قربهم من مصادر تمويل ولاعبين خارجيين، وقد يكون أو لا يكون لشكوكهم بطموحات ينسبونها اليه أساس، لكنهم في السياسة ملزمون بالتحفظ والحذر بعد اليوم.
السؤال هو، هل يدفع هذا المتغيّر بالسياسيين لسحب فتيل الفوضى بتسريع تشكيل الحكومة؟