موسكو المستاءة من “العهد”: تستقبل حزب الله وتدعم الحريري
روسيا: حكومة تسوية
وروسيا ليست قادرة على التأثير والتغيير. ولم تستطع ذلك خصوصاً تجاه موقف التيار العوني، بعد اتصالات وزيارات قام بها مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية، أمل أبو زيد، إلى موسكو، التي زارها مرتين خلال 15 يوماً. ولا يخفي المسؤولون الروس عتبهم على رئيس الجمهورية ورئيس تياره جبران باسيل في رفضهما التسوية.
وحسب المعلومات رفض بوغدانوف التواصل مع باسيل، بسبب الانزعاج الروسي من المعزوفة الباسيلية التي تطالب بحكومة الثلث المعطل لحماية حقوق المسيحيين، ومخاطبته موسكو باعتباره إياها حامية المسيحيين في الشرق.
أما لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالرئيس سعد الحريري، فأعيد فيه تثبيت الثوابت الروسية: حكومة تسوية. والموقف الروسي نفسه سيتكرر على مسامع وفد حزب الله النيابي، الذي يزور موسكو برئاسة النائب محمد رعد في الأيام المقبلة. ولا يتوقع كثر أن تقود الحركة الروسية إلى تسوية. فهناك جهات تنتظر باريس، وأخرى تنتظر الولايات المتحدة الأميركية، وثالثة تنتظر مواقف السعودية.
مواقف القوى اللبنانية
في الداخل اللبناني هناك أربع وجهات نظر مبنية على مواقف متعددة:
– موقف القوات اللبنانية وسواها، وهو يدعو إلى إعادة تكوين السلطة من جديد، بعد الاستقالة من المجلس النيابي والذهاب إلى انتخابات نيابية.
– موقف ثلاثي الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط، المتقاطع في اعتبار حزب الله مشكلة إقليمية لا يمكن حلها لبنانياً. ولكن هناك إمكانية لمواجهة التيار العوني وكسره في الداخل، وقطع الطريق على طموحات جبران باسيل الرئاسية.
– موقف العهد وحلفائه، الذين يريدون تأمين الوراثة السياسية لجبران باسيل في المرحلة المقبلة. وفي حال عدم القدرة على تأمينها، فبالحد الأدنى حفظ دور باسيل السياسي بناءً على الخطاب المسيحي الذي يتعزز أكثر بالتلويح الابتزازي، تارة بالفيدرالية وطوراً بمسألة بحث سلاح حزب الله.
– موقف حزب الله الذي يمسك العصا من وسطها، بين الثلاثي برّي والحريري وجنبلاط من جهة، والعهد من الجهة الأخرى.
حزب الله وغطاء الحكومة
ويقود موقف حزب الله إلى انتظار لحظة التسويات الكبرى، وعدم تغيير موازين القوى الداخلية، أو عدم انتصار فريق على آخر. والأهم أن الوقت لا يزال مبكراً لالتزامه بتحديد موقفه من رئاسة الجمهورية المقبلة.
وتمثل عملية تشكيل الحكومة اختصاراً لهذه الأفكار المختلفة. ولذلك لم تحظ عملية التشكيل بجدية طوال الفترة الماضية. لكن موقف حزب الله قد يكون تغير اليوم. فهو متحمس لتشكيل حكومة ترعى مصالحه، بعد ظهور شعارات سياسية كبرى طرحها البطريرك الماروني بشارة الراعي. وهو يرى أن الحكومة توفر له الغطاء في مواجهته الطروحات حول المؤتمر الدولي.
والأهم أن مصالح حزب الله في أي حكومة ستكون محفوظة، وهي تملأ الفراغ حتى موعد الانتخابات الرئاسية. ولذلك دفع الحزب في المرحلة الأخيرة نحو مفاوضات تشكيل الحكومة.
قوة الحزب ومأزقه
هذا المشهد تكرر في الكثير من المراحل في لبنان. فهكذا كانت الحال أيام الرئيس رفيق الحريري في العام 2004، ومع تشكيل حكومة عمر كرامي رداً على القرار 1559. ومثلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، انقلاباً على تسوية كانت قائمة. وذلك بتغيير موازين داخلية ربطاً بتطورات خارجية. ومن ثم العودة إلى التسوية من خلال حكومة الرئيس تمام سلام. وهي حكومة لم تكن متعارضة مع مصالح حزب الله، الذي استعملها لتأجيل الانفجار الكبير، وفي انتظار التطورات الحاصلة في الخارج.
ولكن حزب الله اليوم يواجه تحدياً أساسياً، على الرغم من قوته: مدى قدرته على دفع القوى السياسية المتعارضة للتجاوب مع طروحاته. فهو غير قادر على المواءمة بين “الإلتقاء الثلاثي” من جهة، وبين حليفه رئيس الجمهورية من جهة أخرى.
لا أحد أقوى من بلده
هنا تظهر معضلة حزب الله الأساسية: عدم قدرته على تحويل قوته العسكرية إلى قدرة سياسية داخلياً وإقليمياً. فالقوى السياسية بتشعباتها وتضارب مصالحها، قادرة على تضييع فائض قوته العسكرية، وانتصاراته. ليجد أنه غير قادر على تطويع شركائه وفرض تشكيل حكومة، بسبب تنازع القوى اللبنانية كلها على الحصص.
وهذا يعني أن فائض القوة العسكرية، في لبنان وخارجه، لا يُترجم أو لا يُصرف في تفاصيل السياسة اللبنانية الداخلية. وهذا ما كان رفيق الحريري قد خبره طولاً وعرضاً في تجربته. وهذا هو التفسير الفعلي لقوله في تلك اللحظة التي صارت وداعية أو قدرية: “لا أحد أكبر من بلده”.
فبعد اتساع نفوذ رفيق الحريري في موجة سياسية محلية وخارجية، أعادت الوصاية السورية آنذاك تثبيت قواعد اللعبة في نتائج الانتخابات البلدية سنة 2004، وأمّنت فوز خصوم الحريري في مناطق ومدن كثيرة.
وبناء على هذه القراءة، تتقاطع وجهة نظر واقعية لبنانية، مع وجهة نظر موسكو، التي برزت أنشطتها حول الوضع االبناني وأوضاع المنطقة في المرحلة الأخيرة.
لبنانياً الموقف الروسي لم يتغير: يؤيد سعد الحريري ويدعمه، على قاعدة تشكيل حكومة تراعي التوازنات ولا تؤدي إلى تغيير موازين القوى. وحكومة لديها استعداد للشروع في توجهات سياسية مختلفة، قد تقود إلى سلوك واقعي حيال النظام السوري، من بوابة معضلة اللاجئين مثلاً. وخصوصاً بعد ما صدر من مواقف عربية بهذا المنحى واكبت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الإمارات.