الوقت- دخل الخلاف حول اعتماد “القاسم الانتخابي”، خلال الانتخابات التشريعية المغربية المقررة هذه السنة، منعطفاً حاسماً، بعد أن تقدمت أحزاب المعارضة، بتعديل يقضي باحتسابه على أساس المسجلين في اللوائح العامة بدل الأصوات الصحيحة المعمول بها حالياً.
وفي الوقت الذي هدد فيه حزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، بالتصويت ضد مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، في حال تم اعتماد “القاسم الانتخابي” على أساس المسجلين، كان لافتاً تضمين أحزاب” الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” و”التقدم والاشتراكية”، في تعديلاتها على مشاريع القوانين الانتخابية، اقتراح تعديل المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي، بالتنصيص على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة “قاسم انتخابي” يُستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوافر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور.
وعللت أحزاب المعارضة تعديل القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين بـ”تحقيق تمثيلية موسعة للناخبين برسم الدائرة المحلية، وفتح المجال أمام كل القوى السياسية للمشاركة في القرار من خلال المؤسسة التشريعية”.
والقاسم الانتخابي هو المعدل الذي يحتسب على أساسه توزيع المقاعد، وتلك هي الطريقة المعمول بها في المغرب وفي كثير من الدول التي تعتمد الاقتراع اللائحي النسبي.
وواجه حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي هذا التعديل بالرفض، في حين دعمته بقية الأحزاب ومنها تلك التي تنتمي للأغلبية الحكومية.
واقترحت هذه الفرق إلغاء العتبة واحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما جرت العادة، وذلك أثناء مناقشة القانون التنظيمي لمجلس النواب، على بعد أشهر من ثالث انتخابات تشهدها البلاد بعد حراك 20 فبراير/شباط وتعديل الدستور.
وانتقلت حالة الجدل والنقاش إلى وسائل التواصل الاجتماعي فعدّ ناشطون ما يحدث محاولة لإضعاف حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة والتحكم في النتائج الانتخابية، في حين رآه آخرون مجرد صراع حزبي على المناصب والمواقع.
خلافات حزبية
ووصف رئيس الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية مصطفى الإبراهيمي في كلمته أمام مجلس النواب هذا التعديل بأنه “غير دستوري”، معتبرا أن الحكومة فقدت أغلبيتها بعد تصويت برلمانيين يمثلون أحزاب الأغلبية على هذا التعديل الذي عارضته الحكومة، ومن ثمّ ينبغي تفعيل الفصل 103 من الدستور، المتعلق بمنح الثقة للحكومة أو حجبها عنها.
وقال إن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين “جريمة بحق الديمقراطية وبحق المؤسسات”، و”يجازي الكسالى من الأحزاب التي لا يرى لها أثر في المجتمع إلا بمناسبة الانتخابات”، وسيتساوى من يحصل على 60 ألف صوت مع من يحصل على 4 آلاف صوت.
من جهته، عزا محمد احجيرة عن فريق الأصالة والمعاصرة المعارض تبنّي حزبه هذا التعديل إلى حق الأحزاب الصغرى في ضمان تمثيليتها في البرلمان، معتبرا أنه غير إقصائي ويسمح بولوج جميع الأحزاب السياسية إلى البرلمان.
في حين قال توفيق كميل عن فريق التجمع الدستوري إن التصويت لمصلحة هذا التعديل يعبّر عن روح التضامن، ونبذ تهميش الآخرين بوضع العراقيل والحواجز القانونية من عتبات إقصائية باسم الأغلبية العددية على حساب التعددية النوعية.
تشتيت المشهد السياسي
صوّت 162 نائبا ينتمون لـ7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة على القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي يتضمن تعديل القاسم الانتخابي، في حين عارضه 104 نوّاب ينتمون جميعهم لفريق العدالة والتنمية، وامتنع نائب عن فدرالية اليسار عن التصويت.
ورأى بعض المحللون أن التصويت لمصلحة تعديل القاسم الانتخابي على أساس المسجلين يكشف عن رغبة بعض الجهات داخل الأحزاب وداخل مراكز السلطة في منع حزب العدالة والتنمية بجميع الوسائل الممكنة من ولاية ثالثة، بما فيها تلك التي قد تبدو ضد الخيار الديمقراطي.
وعن تداعيات ذلك على العملية السياسية، يمكن القول إن هذا التعديل سيعمّق تشتيت المشهد السياسي مما سيؤدي إلى صعوبة في بناء التحالفات داخل الحكومة وخارجها. وهذا ما يهدد، استقرار المؤسسات مستقبلا وسيزيد من تدخل المراكز السلطوية لضبط مسار العملية السياسية.
وبينما لا تستبعد مصادر برلمانية مغربية أن يأخذ الخلاف منحى التصعيد الذي قد يصل إلى نقل الخلاف من المؤسسة التشريعية إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه، حيث سيمكن إقرار التعديل الخاص بالقاسم الانتخابي من منع الحزب الذي سيحصل على أكبر عدد من الأصوات من الحصول على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الانتخابية، وهو ما قد يحرم حزب “العدالة والتنمية” في حال فوزه من نحو 40 مقعداً، ومن تكرار سيناريو اكتساحه لصناديق الاقتراع في 2016 بحصوله آنذاك على 125 مقعداً.
ويتهيأ المغرب لتنظيم انتخابات برلمانية ومحلية في وقت لاحق من هذه السنة مما يفتح الباب على مصراعيه امام تنافس حاد وسط توقعات بتراجع حزب العدالة والتنمية بسبب فشل سياساته وبسبب ما سينتج عن تغيير القاسم الانتخابي.