ما كادت تمرّ ساعات معدودة على انتهاء اجتماع بعبدا الأمني – النقدي – الاقتصادي حتى سارع المدير العام لـ”هيئة أوجيرو” عماد كريدية إلى الإعلان أنّ “أوجيرو قامت بإبلاغ الجهات القضائيّة المعنيّة بملف حجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات والصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، والمعنيّة بتحديد سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة الوطنية في السوق السوداء، بأنّنا تمكنّا من حجب المواقع الإلكترونيّة”، وذلك استجابة لمقررات الاجتماع الذي دعا إلى “تكليف بناء لإشارة القضاء الاجهزة الامنية للعمل على استكمال اقفال المنصات والمجموعات الالكترونية غير الشرعية المحلية، التي تحدد اسعار الدولار تجاه الليرة والتواصل لهذه الغاية مع الجهات الرسمية الدولية والمنصات العالمية الالكترونية”. ولو افترضنا أنّ ارتفاع سعر الدولار الجنوني، ناجم عن تفلّت هذه المنصات الالكترونية، وهي فرضية باطلة لا تمت للواقع بصلة كون أسباب انهيار العملة الوطنية، سياسية واقتصادية ونقدية، فهل يُعقل انتظار تخطي الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة، للضغط باتجاه اقفال هذه المنصات؟ ألم يكن بالإمكان القيام بهذه المهمّة منذ أشهر؟ وهل سيفي هذا القرار بالغرض؟
يقول الخبير المالي وليد أبو سليمان لـ”نداء الوطن” إنّ “التلاعب بسعر الدولار لا يعود فقط إلى وجود هذه المنصات، ذلك أنّ الليرة تواجه عدواً غير مرئي، تعبّر عنه السوق السوداء، وبالتالي إنّ اغلاق هذه المنصات سيؤدي حكماً إلى قيام أكثر من سوق موازية بسبب ازدياد منسوب الفوضى في التداول والتلاعب أكثر بسعر الليرة، خصوصاً وأنّ تجارة الاستيراد تواجه معضلة شراء الدولارات حاجة الاستيراد غير المدعوم والذي يكلّف حوالى خمسة مليارات”. ورأى أنّ “المطلوب، في ظل انكفاء مصرف لبنان عن التدخّل في سوق القطع، هو تنظيم سوق التداول للجم الفوضى قدر الامكان ما قد ينعكس بشكل ايجابي ولو على نحو محدود، على التجار وعلى أسعار السلع الاستهلاكية غير المدعومة، وقد يؤمن نسبياً بعض السيولة”.
وضمن سياق تهدئة جنون الأسواق السوداء، دعا اجتماع بعبدا أيضاً إلى إقرار قانون الكابيتال كونترول، “القابع” في “أدراج” لجنة المال والموازنة منذ أكثر من عام، والهادف إلى تنظيم التحويلات إلى الخارج. فهل لا يزال نافعاً بعد تهريب المحظيين مئات ملايين الدولارات؟
وفق أحد نواب اللجنة، فإنّ أهمية المشروع القصوى كانت في ضرورة اقراره بعد أيام قليلة من إقفال المصارف بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، حين تسارعت عمليات التحويل إلى الخارج تحت جنح الظلام، إلّا أنّ حجة المصارف يومها كانت الخشية من وقف باب التحويلات إلى الداخل اذا ما تمّ اقرار هذا القانون. وحين تمّ الانتهاء من صياغة المشروع وكان يفترض اقراره، طلبت حكومة حسان دياب التريث قليلاً لعرض المشروع على صندوق النقد الدولي الذي طلب الاطلاع عليه بموازاة المفاوضات التي كانت تجرى معه.
وبالفعل وضع الصندوق جملة ملاحظات على المشروع الذي تمّ تعديله على هذا الأساس، ومن ثم وقع انفجار المرفأ واستقالت الحكومة، وترنّح النقاش حول المشروع الذي شارف على الانتهاء وينتظر عرضه على الهيئة العامة.
ومع ذلك يقول النائب نفسه إنّ مفتاح القانون هو عدم تحويله إلى حصانة تحمي المصارف من ملاحقات قضائية بسبب سجن ودائع الناس، ولذلك إنّ العمل كان جارياً مع المصارف للحصول على ضمانات تدفعها إلى احترام الاستثناءات التي سيأتي عليها القانون، ولكي لا يصير نسخة موسّعة عن القانون الطالبي الذي تمتنع المصارف عن تطبيقه. ويشير إلى أنّه بعد التزام المصارف بتعيمم مصرف لبنان رقم 154 بما يختصّ بإعادة تكوين الحسابات الخارجية لدى المصارف المراسلة بما لا يقلّ عن 3% من قيمة الأموال المودعة بالعملات الأجنبية لدى المصارف اللبنانية، فهذا يعني أنّه صار بامكان المصارف السماح بخروج بعض التحويلات التي سيستثنيها قانون الكابيتال كونترول ويمكن بالتالي تطبيق القانون. بدوره يعتبر الخبير المالي وليد أبو سليمان انّ القانون كان يفترض اقراره منذ أشهر، ولكن هذا لا يعني أنّه لم يعد نافعاً، كونه بنداً إصلاحياً مطلوباً من صندوق النقد الدولي، واذا ما صحّت الأرقام المتداولة حول الاحتياطي الإلزامي المقدّر بحوالى 17 مليار دولار، فإنه لا بدّ من الحفاظ على ما تبقى في مصرف لبنان من عملات أجنبية ووقف مزراب التحويلات الاستنسابية، وذلك من خلال قانون الكابيتال كونترول الذي يسمح أيضاً بحصول تدقيق في فواتير الدعم التي يتردد أنّها تشهد تلاعباً بغية تهريب الدولارات. فضلاً عن أي اتفاق برنامج مع صندوق النقد الدولي، سيستدعي التأكد من جانب الصندوق من أن الدولارات التي ستدخل الاقتصاد اللبناني من بابه، لن تخرج من جديد من نافذته. إلى جانب ذلك، فقد يسمح الكابيتال كونترول بتطبيق قانون الدولار الطالبي واستخدام البطاقات الائتمانية على نحو عادل من دون استنسابية وحماية الدولارات الطازجة، ويضع حداً لمزاجية المصارف.