الأخبار
يعيش المسؤولون في الدولة اللبنانية حالة إنكار لما يجري في السوق السوداء للدولار، وما يتم وفق أجندة منظمة بين الثلاثي مصرف لبنان – جمعية المصارف – نقابة الصرّافين. على هذا الوقع، وُجد «المجرم» يوم أمس الذي حُمِّل كل موبقات السلطة السياسية والنقدية، وهو «المنصات الإلكترونية» التي تحدد سعر صرف العملة الوطنية. حصل ذلك بحضور حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف ونقيب الصرافين، المسؤولين الأساسيين عن التلاعب بسعر الدولار وبزيادة وقع الانهيار الاقتصادي
يمكن للبنانيين أخيراً أن يطمئنوا، فقد قبضت الدولة على المسبّب الرئيسي لأزمة الدولار، واجتمع مسؤولوها يوم أمس لاتخاذ سلسلة إجراءات بحق «المجرم»: إنها المنصات الإلكترونية! بدا المشهد سوريالياً وأصعب من أن يُصدّق، في الاجتماع الاقتصادي والمالي والأمني والقضائي الذي ترأسه رئيس الجمهورية، بحضور حافظ السياسة النقدية وحامي الليرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير ورئيس نقابة الصرافين محمود مراد. وجد الثلاثة الشماعة التي يعلقون عليها الفساد المصرفي وسرقة الودائع والتلاعب بسعر الدولار في السوق السوداء. إنها المنصات التي تنشر أسعار الدولار، فلنطلب من «غوغل» التعاون معنا لإيقاف بعض المخلين بأمن الليرة في الخارج، فيما يتكفّل القضاء بالمنصات غير الشرعية في الداخل. ليطمئن اللبنانيون مجدداً، ستعود الليرة الى «أيام العز». أما أكثر ما يثير السخرية فكان اتخاذ قرار يقضي بتكليف الأجهزة الأمنية ضبط جميع الأشخاص الذين يخالفون أحكام قانون النقد والتسليف وقانون تنظيم مهنة الصرافة، سواء كانوا من الصرافين المرخّصين أم غير المرخّصين الذين يمارسون المضاربة. وهؤلاء يمثلهم الثلاثة الجالسون إلى طاولة القرار، لكن أحداً لا يمسّهم. لا بل تنصّل حاكم مصرف لبنان كعادته من مسؤولياته، متذرّعا بحجة عدم القدرة على ضبط الدولار في ظل عدم تأليف حكومة تنفّذ الإصلاحات؛ الإصلاحات نفسها التي تشمل التدقيق الجنائي الذي يرفض سلامة تنفيذه في حسابات مصرف لبنان والمصارف. وقد بدا الحاكم متفائلاً من عودة زخم المصارف حالما يتم تأمين السيولة الخارجية المطلوبة وفقاً للتعميم الرقم 154 الصادر عنه، فيعود النظام المصرفي الى عمله وتتحسن الأوضاع. رئيس جمعية المصارف هو الآخر حمل خطاب «المظلومية» نفسه، مستنكراً اتهام المصارف برفع سعر الدولار عبر سحب الدولارات من السوق لأجل تأمين سيولتها. وكرر على مسامع الحاضرين ما ورد في البيان السابق الصادر عن جمعية المصارف حول استحالة تأمين 3.6 مليارات دولار من السوق. كما طالب بتأليف جكومة في أسرع وقت ممكن. انضم رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب إلى إلقاء المسؤولية على عاتق المنصات «السياسية لا المالية، لأن هدفها الحقيقي ليس تحديد سعر الصرف في السوق السوداء، بل خراب لبنان عبر التأثير على الواقع الاجتماعي والمعيشي لتحريض الناس ودفعهم للخروج إلى الشارع». دياب الرافض للقيام بالحد الأدنى من الواجبات لوقف حدة الانهيار، ومنها معالجة موضوع الدعم، وحصر المشكلة بالمنصات، مشيراً الى «أنها لا تعكس فعلياً سعر صرف الدولار، إلا أنها أصبحت مرجعاً للصرافين وكذلك بالنسبة إلى التجار في مختلف أنواع البضائع». في ما عدا ذلك، لا مشكلة بتاتاً باستثناء أن ثمة «من يدفع البلد نحو الانفجار، ويجب أن يكون حسم وحزم في التعامل مع هذه القضية وقطع الطريق على التلاعب بمصير البلد من قبل جهة أو جهات تتآمر على الناس ولقمة عيشهم وتتلاعب بالاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني».
الاجتماع انتهى بقرارات فارغة لن تحدّ من النزيف الاقتصادي والاجتماعي القائم، ربطاً بكون «اللقاء» ليس سلطة قرار، لكونه ليس مؤسسة دستورية قادرة على التقرير أو التنفيذ. في مستهل الاجتماع، أكد رئيس الجمهورية، ميشال عون، أن الأوضاع المستجدة على الصعيدين المالي والأمني تحتاج الى معالجة سريعة، لأننا نشهد ارتفاعاً غير مبرر في سعر صرف الدولار، بالتزامن مع شائعات هدفها ضرب العملة الوطنية وزعزعة الاستقرار. وطالب بإجراءات مالية وقضائية وأمنية حاسمة لملاحقة المتلاعبين بلقمة العيش. وحول ما حصل يوم أمس في الشارع، اعتبر عون أن «من حق المواطنين التعبير عن آرائهم بالتظاهر، إلا أن إقفال الطرقات هو اعتداء على حق المواطنين في التنقل والذهاب الى أعمالهم، ولا سيما بعد أسابيع من الإقفال العام الذي فرضته حال التعبئة العامة». وطلب من «الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين من دون تردد، خصوصاً أن الأمر بات يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي الى عمل تخريبي منظم يهدف الى ضرب الاستقرار». فقد تحدث عون عن اتصالات كثيرة وردت الى القصر الجمهوري من المستشفيات تطلب فيها فتح الطرقات لإيصال الأوكسيجين. لذلك «لا مبرر، حتى في حال وجود آلاف المتظاهرين في الشارع، لشلّ حركة البلد وقطع الطريق على الناس». كما نبّه الى «خطورة الشعارات التي يتم رفعها بقصد المساس بوحدة الوطن وإثارة الفتن والنيل من الدولة ورمزها». من جهته، تحدّث المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا عن «مخطط كبير لإسقاط الدولة ورئيس الجمهورية». الكلام نفسه ردّده الوزير السابق سليم جريصاتي، فيما تحدث المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات عن معلومات حول منصات غير شرعية تعمل من الخارج لتحديد أسعار الدولار. أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فأكد أن لا تغيير أو تأثير لأي قرار من دون تأليف حكومة.