غاصب المختار -اللواء
لم يَعُد مُجدياً تبادل الإتهامات وتسجيل المواقف حول من يؤخر او يعطل تشكيل الحكومة، بعدما وصل الوضع المعيشي للناس إلى ما دون الحضيض نتيجة لعبة الدولار، التي لا تخلو ايضاً من لعبة ضغط سياسي ومالي لخدمة أهداف سياسية معينة. وبات من واجب الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري التنبّه اكثر إلى مخاطر ما يمكن أن تحمله التطورات المعيشية من مخاطر على السلم الاهلي والاستقرار الامني. وان يجتهدا سوياً لمعالجة العقد التي تؤخر تشكيل الحكومة، طالما ان حكومة تصريف الاعمال لا تقوم بأي جهد استثنائي لمعالجة الازمات المتوالدة كالفطر، ولو قال رئيسها حسان دياب غير ذلك يوم السبت ولوّح بالإعتكاف، في موقف يَنمُّ عن ضعف لا عن قرار بالمواجهة ورمى المسؤولية على الحكومة الجديدة، معتبراً انه «يجب ألّا يتقدم أي عمل على جهود تشكيل الحكومة الجديدة»، بينما طالبه اكثر من سياسي بتفعيل عمل الحكومة وليس آخرهم وليد جنبلاط امس.
وبغض النظر عن مسؤولية حكومة دياب في الإنكفاء عن مواجهة الغلاء والتلاعب بالدولار على الاقل، وهذه لا تحتاج نصّاً دستورياً بل إجراء فورياً بملاحقة المتلاعبين المعروفين، وضبط فلتان الاسعار بإجراءات جدية وجذرية وتوفير المواد المدعومة للسوق، والتي يحتكرها التجار في مستودعاتهم التي داهمت القوى الامنية والبلديات عدداً منها، لكن لم يُعرف مصير البضائع المدعومة المصادرة وإلى اين او الى من ذهبت؟
ثمّة مسؤوليات أيضاً على رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في تخفيف الاحتقان المؤدي الى التفلت المعيشي والأمني، وعلى القوى السياسية ان تخفف من رمي التهم والمسؤوليات على بعضها، طالما انها كلها مشاركة بنسبة او بأخرى وعبر سنوات طويلة في ما وصلت اليه احوال البلاد والعباد. وان تتوقف عن السجالات العقيمة حول الارتباط بهذا المحور او ذاك، طالما ان الجميع مرتبط بمحاور خارجية غير مخفية.
المهم الآن اين وصل تشكيل الحكومة، وما هي الخطوات التي يجب ان يتخذها الرئيسان عون والحريري؟ فالأول يقول انه جاهز للبحث بعد عودة الرئيس المكلف وانه لم يطرح الثلث الضامن، والثاني يدير ظهره للأزمات ويغادر البلاد ويكتفي بتكرار مواقفه وشروطه المعروفة من تشكيل الحكومة. بينما مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تدور من مكان الى مكان من دون ان تجد بَرّاً ترسو عليه لمعالجة الأزمة، مع انها حسب المتابعين قابلة للنقاش وتدوير زوايا الخلافات.
ففي المعلومات المتواترة ان هناك توجهاً لتصعيد ملحوظ في الشارع اعتباراً من صباح اليوم حيث ترددت معلومات امنية عن دعوات عبر مواقع التواصل لقطع الطرقات في كل لبنان، وسط مخاوف مما يمكن ان يؤدي اليه قطع اوصال البلد، لا سيما الخط الساحل الجنوبي والشمالي، من توتر امني.
وفي هذا الصدد تشير المصادر المتابعة إلى ان تشكيل الحكومة بات اكثر من ضروري بل ومدخلاً لحل أزمة وطنية كبرى بدأت بخلاف سياسي بغطاء دستوري وميثاقي، وقد لا تنتهي بإنفجار الشارع بوجه الكل، بل يمكن ان تتطور إلى فِتَنٍ وإحتكاكات تسقط فيها دماء، خاصة انه لدى الجهات الامنية والمرجعيات السياسية معلومات عبر الرصد الميداني، تؤكد دخول اكثر من طرف داخلي وخارجي على خط التحركات الإحتجاجية بهدف الضغط على هذا الفريق او ذاك، ولهذا الهدف او ذاك. وقد باتت كل الجهات معروفة ومكشوفة ولو انها في الظل، وكذلك الأهداف ولو انها مستترة بغطاء الوضع المعيشي المحق.