كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: حفل الاسبوع الفائت بسلسلة إشارات كان لا بد من التوقف عندها لاستشراف الواقع السياسي على أكثر من صعيد، من العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر مرورا بالرسائل التي أطلقت في أكثر من إتجاه وصولا الى مستجدات تأليف الحكومة.
لا يمكن فصل خروج الدراجات النارية من الضاحية الجنوبية باتجاه ساحة الشهداء وإطلاقها الهتافات المناهضة لرئيس الجمهورية وللعهد “الذي جوعنا” والتهديد بالصعود الى قصر بعبدا، عن سياق توتر العلاقة بين الحزب والتيار، وإن سارع الحزب بالتكافل والتضامن مع حركة أمل بنفي علاقتهما بالمحتجين، إلا أن الرسالة من المفترض أنها وصلت بأن “الأمور بلغت ذروتها وأن ليس الرئيس ميشال عون هو ذاك المعصوم، ولا جبران باسيل ذنبه مغفور”.
بالتزامن كانت التحليلات تصدر عن متابعين بأن الحزب لو تم تخييره اليوم بين جبران باسيل وسعد الحريري لاختار الحريري، خصوصا أن لدى الثنائي الشيعي ثابتة لا يمكن الحياد عنها هي قطع الطريق أمام أي صراع سني ـ شيعي من شأنه أن يؤدي الى فتنة، فضلا عن قناعة هذا الثنائي بأن الحريري ما يزال رجل المرحلة إضافة الى أنه يتعاطى بكل إيجابية مع هذا الثنائي.
ولعل ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بأن “الحريري لو أشعل أصابعه العشرة شمعا للسعودية فلن ترضى عنه، وأنها لن توافق على مشاركة حزب الله في الحكومة”، فسره كثيرون بأنه محاولة لاستدراج الحريري بإتجاه الحاضنة السياسية لحزب الله.
في غضون ذلك، يبدو أن “رادارات” وليد جنبلاط إلتقطت إشارات دفعته الى تبديل مواقفه ليلاقي من خلالها طرح السيد حسن نصرالله بعدم التمسك بـ 18 وزيرا في الحكومة، وبعدم إعطاء الثلث المعطل لأي تيار سياسي بمفرده، فكانت تغريدته التي أعرب من خلالها عن قبوله برفع عدد الوزراء الى 20 أو 22 لأن “المهم هو إنقاذ البلد”.
تفاهم حزب الله مع الحريري حول تشكيل الحكومة برئاسته، وتناغم جنبلاط معه حول رفع عدد الوزراء، ينتظر المدماك الثالث المتعلق بالحوار بين الحزب وبكركي، حيث من المفترض أن تعقد الجلسة الأولى يوم غد الثلاثاء وتضم عن حزب الله القياديين الحاج محمد الخنسا ومصطفى الحاج علي، وعن بكركي المطران سمير مظلوم والأمير حارث شهاب، على أن يصار وفق متابعين الى البحث في مستقبل العلاقة بين الطرفين والوضع في لبنان ومواقف البطريرك بشارة الراعي بما في ذلك تشكيل الحكومة والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وليس بعيدا أن تتضمن جلسات حوار مستقبلية بحثا معمقا في رئاسة الجمهورية، ما يطرح سؤالا محوريا لجهة هل يمكن أن يتم التوافق بين حزب الله وبكركي على الانتخابات الرئاسية؟.
ترى مصادر سياسية مواكبة، أن ذلك يعني إنتزاع بكركي للقرار السياسي من التيار الوطني الحر، وبالتالي أن تأخذ زمام المبادرة في التفاوض بإسم المسيحيين مع الحزب في القضايا السياسية الحساسة من الحكومة الى رئاسة الجمهورية وما بعد رئاسة الجمهورية، خصوصا وبحسب تلك المصادر أن الايجابية في هذا التفاوض هي أنه سيتم تحت سقف الطائف، ما يؤكد أن لبنان لن يذهب الى “المثالثة”، إنطلاقا من إصرار بكركي على حماية حقوق المسيحيين بالمناصفة التي كفلها الطائف في ظل موافقة ضمنية سنية كون ذلك يحفظ التوازن الذي يرضي المسيحيين ويحفظ حقوق المسلمين ويساهم في تأمين الاستقرار.
وتشير المصادر نفسها الى أن الحوار المتقدم مع بكركي قد يفتح الباب أمام حوار للحزب مع الفاتيكان، خصوصا أن مصادر محسوبة على الحزب أعربت عن إرتياحها لزيارة البابا فرنسيس الى العراق والحوار الذي أجراه مع المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، الأمر الذي قد يمهد لانفتاح فاتيكاني غير مسبوق على الشيعة في المنطقة، خصوصا أن الوثيقة الانسانية التي وقعها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في الامارات لن يكون المرجع السيستاني بعيدا عنها، وهذا الأمر بحسب المصادر من شأنه أن ينعكس إيجابا على لبنان.
يمكن القول، إن إستعادة بكركي القرار السياسي من التيار الوطني الحر، وإنفتاحها على حزب الله قد يؤمن له غطاء مسيحيا أوسع وأشمل قد يصل الى تغطية الفاتيكان للبنان عموما، بما يحفظ حقوق المسيحيين فعلا وليس قولا لتحصيل مكاسب شخصية، ويطمئن السنة، وربما يصل مستقبلا الى نزع صفة الارهاب عن حزب الله.
المصدر: غسان ريفي – سفير الشمال