بين دولة العراق ودولتنا

وليد شقير-نداء الوطن

من بيان القصر الرئاسي عن أن “الإنسان لا يمكن أن يسكت عن حقّه ويتفرّج” وأن “النزول إلى الشارع حق مشروع”، مروراً بمطالبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمعرفة أسباب ارتفاع الدولار، ومن ثم بتسريب محيط البلاط إشاعة وضع الحاكم على لائحة العقوبات يراد إلهاء الناس التي عادت تحركاتها الاحتجاجية على تدهور سعر صرف الليرة…

بدا واضحاً أن هناك من يعتبر أن تدهور شعبية الفريق الحاكم يتطلب مناورات تصرف الأنظار عن الواقع. الهدف نقل تهمة التعطيل إلى الرئيس المكلف سعد الحريري، وليس إنهاء الفراغ الحكومي.

منذ أسابيع أدى الوضوح في مواقف العواصم المتابعة للشأن اللبناني إلى قناعات حاسمة بمن يقف وراء تعطيل تأليف الحكومة ويؤخر ولادتها. عبرت عن ذلك الأوساط الفرنسية الرسمية بإعلانها أن على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن يسهل تأليف الحكومة معتبرة أن الكرة في ملعب فريق الرئاسة. وكان المطلوب الإيحاء بأن المشكلة ليست عند الأخير، فجرى تسريب صيغة مفترضة للمخرج من الخلاف. لم تنجح محاولة الإيحاء بأن ما جرى التداول به عن تراجع الرئاسة عن الثلث المعطل في الحكومة حقق خرقاً، وأن الرئيس ميشال عون يكتفي بالحصول على حصة 5 وزراء زائد الوزير الأرمني في حكومة من 18 وزيراً، لكن أن يسمي هو وزير الداخلية وأن يترك الموافقة عليه للحريري، على أن يحجب نواب “التيار الحر” الثقة عن الحكومة بعد الاتفاق عليها بين الرئيسين. هذا على رغم أن الرئيس عون كان يصر على أنه يفاوض باسم “التيار الحر” وباسيل كان يردد بأن تياره وتكتله النيابي يوافقان على ما يوافق عليه الرئيس لأنه يمثلنا. كل ما حصل هو ظهور الدولة وكبار المسؤولين فيها بفعل هذه المناورة، مفككة وهزيلة أكثر من السابق… حتى رئيس الحكومة المستقيلة يلوح بالاعتكاف من تصريف الأعمال، فيما الشارع ملتهب والنقمة الشعبية تتصاعد.

مع “هركلة” مظاهر الدولة في لبنان بدا مشهد معاكس في العراق الذي كان الانطباع عنه بأن الدولة فيه ضعيفة وشبه منعدمة، بعد أن سيطر “داعش” على أجزاء من البلد سنوات، وبعد توسع دور “الحشد الشعبي” وتمرد بعض تشكيلاته على الشرعية، فثبت العكس في استقبال ومواكبة البابا فرنسيس من المطار إلى بغداد وسائر المناطق التي حل فيها، انتهاء بالقداس الجماهيري في أربيل. فزيارة الحبر الأعظم إلى بلاد ما بين النهرين تمت بمواكبة وتنظيم مدروس ومتقن من مؤسسات الدولة كلها في الاستقبال والانتقال، بدءاً برئاسة الجمهورية مروراً برئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وصولاً إلى الاستقبالات الشعبية التي تحتاج تنظيماً دقيقاً وتدابير أمنية بحماية العسكر وأجهزة الأمن، والهيئات الروحية والسلطات المحلية في المناطق.

في وقت يتذاكى باسيل في بيروت على البطريرك بشارة الراعي ويخالفه الرأي حيال الحكومة وطرحه الحياد والمؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان، ويسعى للالتفاف عليه لدى الفاتيكان برسالة عن حقوق المسيحيين إلى دوائره، لا تخدع المكلفين بالملف اللبناني، تبرهن مؤسسة الدولة في العراق عراقتها، وعودة القوى السياسية إلى احترام هيبتها. وفي وقت تنفلت الغرائز الطائفية والتوظيف الإقليمي لاستحقاق الحكومة من قبل “حزب الله”، يشهد العراق لقاء كبيراً بين القطبين الدينيين البابا فرنسيس، والمرجع الأعلى السيد علي السيستاني، ليعيد الاعتبار للوجود المسيحي وللنجف معاً، بموازاة لقاء البابا قبل سنتين مع الأزهر الشريف. مهابة المنظر تقابلها خفته في لبنان.

Exit mobile version