أياً كانت الدوافع أو المبررات، فهي سابقة في تاريخ لبنان أن يلوّح رئيس حكومة مستقيلة بالاعتكاف عن تصريف الأعمال. والسؤال: كيف سيكون هذا الاعتكاف، هل يهجر الرئيس مقرّ الرئاسة مثلاً أو يغادر البلاد؟
يمكن لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن يضيف سابقة إلى السوابق التي قد يضمّنها كتاب إنجازاته رئيساً للحكومة. الرئيس الذي يقول إنه “أول رئيس حكومة كان يعمل أستاذاً في الجامعة الاميركية”، و”أول من عيّن ست وزيرات في الحكومة”، واستطاع “لأول مرة ان يحقق 97% من جدول اعمال حكومته خلال فترة قياسية”، يمكنه أن يضيف “لأول مرة يفكر رئيس مستقيل بالاعتكاف”.
إذا كانت نصيحة المستشارين دفعته إلى التلويح بالاعتكاف، فهي نصيحة ذات حدين لأن من شأنها أن ترتدّ عليه بما أن الاعتكاف سيطال الناس، وسيبدو الرئيس المستقيل هارباً من المسؤولية. أما إذا كانت نصيحة من الأمين العام لمجلس الوزراء فمعناها توريطه لمصلحة الرئيس سعد الحريري لدفعه باتجاه الضغط كي يؤلّف حكومة بشروطه. وفي الحالتين ثمة من يقول من الوزراء إن دياب لم يوفّق أبداً في كلامه عن الاعتكاف حتى ولو كان كلام حقّ، فالمراد به باطل. كثر رأوا في خطوته رسالة تخدم الحريري دون سواه، ويذهب هؤلاء الى القول إن حكومته لم تنجح في أي إنجاز، وفي وقت يتدهور فيه البلد يبدو كمن يريد ان ينأى بنفسه عن العواقب. يدرك المخاطر الحقيقية المحدقة بالوضع المالي والاقتصادي وهو ليس مستعداً لتحمّل المزيد من الانهيارات والقرارات الصعبة، ومنها رفع الدعم وتحميل حكومة لم تبلغ عامها الأول بعد وزر ردح من الزمن.
للرئيس دياب حساباته أيضاً. يخاف على سمعته داخل الطائفة السنية، وعلى مستقبله السياسي حتى وان كان يخطط للانتقال للعيش في الخارج بعد انتهاء مهمته.
كثر كانوا يحاولون إقناع رئيس الحكومة المستقيلة أن تصريف الأعمال ليس الامتناع عن العمل، ويتساءلون عن عدم عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار الموازنة أو للنظر في قرض البنك الدولي. المتفق عليه أن إقرار الموازنة أمر الزامي طالما أن الدولة تصرف أموال الموظفين ومستحقات الناس، ويصبح السؤال كيف يتم الانفاق اليومي وبناء على أي قانون واستناداً الى أية آلية؟ لكن دياب يتصرّف وكأن لسان حاله يقول: “ذليتموني بما فيه الكفاية فخذوا ما يسرّ خاطركم”. صار المدافع الاول عن موقع الرئاسة الثالثة، وقد قال لأحد الوزراء في الفترة الأخيرة: “إذا عقدنا جلسة للحكومة فهذا يعني أنهم سيتمهلون بتشكيل حكومة ولذا فالأفضل ان يذهبوا نحو تشكيل الحكومة الآن”.
ويرى متابعون أن أصل المشكلة في أن دياب لا يريد ان يفعل شيئاً. علاقته برئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” سلبية، وكل وزير من وزرائه يعمل على هواه، وبات يصعب عليه دعوتهم للاجتماع لتعذّر تلبية بعضهم الدعوة ممن يتفاخرون بالاعتكاف حتى عن تصريف الأعمال، فيما يتصرّف آخرون في وزاراتهم دون حسيب أو رقيب. وقد أبلغه أكثر من وزير استياءه من تصريف الأعمال، وإن كان هناك عدد منهم لا يمكنه تجميد أعمال وزارته لارتباطها المباشر بأمور الناس، كالمالية والعدل والداخلية والدفاع والصحة، إلا أن هناك وزراء مستقيلين، قبل الاستقالة وبعدها، وقد انقطع بعضهم عن الالتحاق بمكتبه إلا في ما ندر وتوقف حتى عن تسيير الأعمال.
الخلاصة إذاً هي أن دياب لا يريد أن يكون رئيس حكومة تصريف أعمال إلى ما لا نهاية لذلك يدفع باتجاه التشكيل. لكن كيف له، وهو المستقيل، أن يلوّح بالاعتكاف وفي اعتقاده أنه بذلك يسرّع تشكيل الحكومة؟ وهل بات الرئيس المستقيل طرفاً في تشكيل الحكومة؟ وأين هو من الصراع السياسي القائم وهو الذي يداري حتى ولو على مستوى عقد اجتماع حكومي لتسيير أمور الناس؟
المحيطون بدياب يثمّنون خطوته ويرون أنه المسؤول الوحيد الذي توجه الى الناس لمصارحتهم في وقت لا يخرج فيه من يتحدث معهم عن حقيقة أوضاع البلاد، بمعزل عما اذا كان لديه الحل ام لا. ويشفع له أنه بعث برسالة الى مجلس النواب تتضمن مقترحات لسيناريو ترشيد الدعم، ورؤية وتفسير مجلس النواب لحجم تصريف الأعمال كي تلتزم الحكومة به.
من رئيس حكومة يميل للاعتكاف الى وزير يدعو للاضراب وآخر يقاطع رئيس الحكومة ورابع يعاديه، حكومة اختصاصيين من صنف المعتكفين الا القلة القليلة والتي لها من التحفظات على رئيس الحكومة ما يفيض عن الحاجة ويزيد.