سياسة المحتكرين في «تقتير» المواد المدعومة على المستهلكين ليست أقلّ من سادية وإذلال يمارسهما هؤلاء، في غياب أيّ رادع من السلطة ومن وزارة الوصاية. مشاهد التدافع لـ«الفوز» بكيس من الحليب أو السكر، أو بـ«غالون» من الزيت، تواصلت أمس، ويُرجح أن تتزايد مع استمرار الانهيار المتسارع
شعور الغبن هذا تغذّيه «سياسة دعم» حكومية عزّزت نفوذ المحتكرين ومكّنتهم من الإمساك برقاب المواطنين وابتزازهم والتعامل معهم بساديّة. هكذا، «يفوز» بـ«غالون» من الزيت «المدعوم» من تتعدّى فاتورته رقماً معيّناً، ويمنع بعض محالّ السوبرماركت زبائنه، مثلاً، من شراء أكثر من علبتين من «البسكويت» المصنّع محلياً رغم أنه غير مدرج في سلة الدعم! وتبلغ السادية ذروتها مع إخفاء المواد المدعومة و«تقتير» بيعها، قبل عرض بعضها في أيام محددة و«التلذّذ» بالمشاهد المذلّة للتدافع بين الزبائن عليها.
يجري ذلك كله وسط «تواطؤ» وزارة الاقتصاد الغائبة عن اتخاذ أيّ من أبسط الإجراءات لردع المحتكرين ووقف تغوّلهم، بدل الاكتفاء بشعار «لا داعيَ للهلع». إذ أن «قراراً واحداً بسيطاً تتخذه الوزارة بإغلاق المؤسسات المخالفة كفيل بوقف هذا الذل»، بحسب نائبة رئيس جمعية حماية المُستهلك ندى نعمة، مذكّرة بأن سياسة الدعم تصبّ في مصلحة المحتكرين وتسمح لهم بإخفاء البضائع المدعومة وابتزاز المستهلكين.
وتنصّ المادة 50 من قانون حماية المُستهلك على حظر تعليق بيع سلعة أو تقديم خدمة للمُستهلك بهدف تخزينها وحجبها عن المُستهلك، فيما تنص المادة 118 على تغريم من يخالف المادة أعلاه بين أربعين مليون ليرة و75 مليوناً.
في ظل السُّبات الحكومي و«كوما» وزارة الاقتصاد، تحذّر نعمة من أن الأسوأ ربما لم يأت بعد. «اليوم لم يعد المُستهلك يجد كل احتياجاته في مكان واحد. لكنّ المؤشرات الحالية غير جيدة، إذ أن المتوقّع هو مزيدٌ من ارتفاع الأسعار، مع خشية من انقطاع موادّ أساسية كالسكر والزيت».
صحيح أننا لم نصل إلى مرحلة المجاعة، إلّا أن «فقدان الأمل بالتغيير من شأنه أن يزيد من التوتر»، وفق مصطفى. إذ مشاهد الهلع والتهافت تُعدّ «تجلّياً لفقدان الإحساس بالأمان، وانعدام أيّ أمل بالتغيير في ظل غياب تنظيم حقيقي للحركات الاحتجاجية، في وقت تنعدم الثقة بالنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع الأهلي باعتبارها جزءاً من السلطة الفاسدة». لذلك، «يغدو تفلّت الغضب طبيعياً ويُصبح تغييب القيود مُباحاً ومحمياً بتبريرات أخلاقية، وقد نصل إلى مراحل أصعب من تلك التي رافقت الحرب الأهلية، لجهة ازدياد السرقات والتجاوزات والاضطرابات، وسنجد أن الناس سيقوم بعضُهم بالاحتجاج على بعض». أما الأثر الأبرز فسيتجلّى في «الندوب التي ستتركها هذه المرحلة على علاقة الفرد بالدولة لفترة طويلة. إذ لم يعد مفهوم الدولة محطّ ثقة أو احترام، وما التفلّت من قيود إجراءات كورونا، مثلاً، إلا تعبيرٌ عن قناعة بأن السلطة غير مؤهّلة للعب دور الوصاية على الناس».
الزيت والحليب «نعمتان» مفقودتان
«من دون حسيب ولا رقيب»، يبيع التجار المحتكرون بعض المواد الغذائية الأساسية المفترض أنها «مدعومة» بسعر السوق، «خصوصاً في المناطق النائية»، وفق أحد مراقبي جمعية حماية المُستهلك، «تاركين الناس تأكل بعضها».
الزيت والحليب سلعتان أساسيتان تشهدان تهافتاً، تقول الشركات المستوردة إن سببه صعوبات في ما يتعلق بالاعتمادات التي يتأخر فتحها من قبل مصرف لبنان، فيما تشير معطيات الى أن كبار المحتكرين يلجأون الى إخفائهما أو بيعهما بسعر السوق. هاتان السلعتان كانتا السبب الأساس وراء الإشكالات التي شهدها عدد كبير من محال السوبرماركت في الأيام القليلة الماضية، بسبب التنافس على «الفوز» بهما، وبسبب الفارق الكبير في السعر بين المدعوم منهما وغير المدعوم. فعلى سبيل المثال، يفترض أن يكون سعر الزيت المدعوم (4 ليترات) أربعين ألف ليرة، فيما يلجأ عدد من التجار إلى بيعه بـ70 ألفاً ليرة. أما الحليب المدعوم (800 غرام) المسعّر بـ12500 ليرة، فيباع بأكثر من 28 ألف ليرة. الأمر نفسه ينطبق على الأرز (2250 ليرة للكيلوغرام المدعوم) الذي يُباع بأكثر من ستة آلاف ليرة.
«تحليق» الأسعار طال أيضاً الخضار والفواكه، فوصل سعر كيلو البندورة إلى خمسة آلاف ليرة، واللوبيا إلى 19 ألفاً، والتفاح إلى سبعة آلاف. ووصل سعر كيلو لحم العجل إلى 55 ألف ليرة، والغنم إلى 90 ألف ليرة.