رندة تقي الدين-نداء الوطن
شددت مصادر الرئاسة الفرنسية على أنّ التظاهرات الشعبية الجارية في لبنان تشير إلى “انعدام مسؤولية الطبقة السياسية في لبنان التي هي بمجملها عاجزة عن الالتزام بتعهداتها”. ويرى الفريق الرئاسي الفرنسي الذي يتابع التطورات في لبنان أنّ “هذه التظاهرات تؤشر إلى عمق الأزمة وتؤكد الحاجة الملحّة لتشكيل حكومة المهمة لتنفيذ الالتزامات المطلوبة، ولذلك فإنّ باريس مستمرة في العمل على الضغط على المسؤولين، من رئيس الجمهورية ميشال عون إلى صهره جبران باسيل، كما كانت قد استقبلت رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وحثته على المضي قدماً في تشكيل الحكومة”.
وبينما يواصل الفريق الرئاسي في الإليزيه وسفيرة فرنسا في بيروت آن غريو ممارسة الضغط من جهة وإظهار الحوافز المتاحة للبنان إذا تم تشكيل حكومة مهمة من جهة أخرى، يرى المسؤولون الفرنسيون أنّ “المشكلة الآن هي تعطيل جبران باسيل واذا بقي كذلك فإنّ موقفه التعطيلي سيزيد الوضع اللبناني تدهوراً”. وكشفت المصادر أنّ “المسؤولين في الرئاسة الفرنسية يتحدثون باستمرار معه حول الأمر لكنه يقول لهم ما يردده حول تحقيق مصلحة المسيحيين”، مشددةً على أنّ “الإدارة الاميركية الجديدة لديها المعايير نفسها التي تعتمدها فرنسا، وقد رأينا أنّ فرض العقوبات على باسيل لم يساعد في تغيير شيء، وقد تكون حساباته الخاصة تقوده إلى التفكير بأنّ “حزب الله” سيكون بحاجة إليه في نهاية المطاف حتى ولو اختلف معه حالياً”.
وإذ لفتت إلى أنّ الرئيس المكلف ينتقد من جهة “حزب الله” لكنه يريد إظهار نفسه مقرباً من رئيس مجلس النواب نبيه بري كي لا يظهر أنه على خلاف مع الطائفة الشيعية، استطردت المصادر بالقول: “مشكلة التعطيل اليوم هي مع جبران باسيل ولكن لعبة السياسيين في لبنان لا تزال هي نفسها، فإذا حُلت مشكلة تعطيل باسيل قد تبرز مشكلة من طرف آخر وقد يكون “حزب الله” نفسه هذا الطرف”. وبناءً عليه، ترى الرئاسة الفرنسية أنّ “أصحاب القرار السياسي في لبنان سيئون للبلد ولا يقومون بما يجب القيام به من اجل انقاذه، وفي المحصلة يبقى أنّ أحداً لا يملك القدرة على إجبارهم على القيام بما ينبغي أن يفعلوه لبلدهم ولا بما التزموا به أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتاريخياً لم يستطع أحد أن يجبرهم على الحلول إلا مثلاً عندما تم قصف ميشال عون في العام 1990، ثم عندما دفعت أموال لمعظمهم للتوصل إلى اتفاق الطائف، ثم عندما قامت قطر أيضاً بذلك لدفعهم إلى الاتفاق على رئيس للجمهورية في الدوحة”.
أما فرنسا، فتؤكد المصادر أنها “الدولة الوحيدة المهتمة حالياً بلبنان، وهي تتحدث مع الأميركيين بشأنه، وتمارس من جهة ضغوطاً على المسؤولين اللبنانيين مع تقديم حوافز، من جهة أخرى تأكيداً على أن الأموال والمساعدات ستأتي الى لبنان لكن مع ضمانات بألا تذهب الأموال إلى جيوبهم أو إلى دمشق، بل أن تكون هناك إصلاحات حقيقية ووزراء غير فاسدين معروفون بالنزاهة في الحكومة”، لافتةً إلى أنّ “وضع الدولار يعكس الحالة الكارثية في لبنان الذي كان قد خرج من حرب أهلية من دون دين عام”.
إلى ذلك، نفت المصادر المعلومات الإعلامية التي تحدثت عن أنّ المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل اتصل بالحريري ليطالبه بالتنازل عن وزارة الداخلية بعدما أكد له عون أنه تخلى عن الثلث المعطل، فأكدت أنّ هذه المعلومات عارية من الصحة. وكما نفت مصادر في واشنطن ما ورد في وكالة “بلومبرغ” عن نية واشنطن فرض عقوبات على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، كذلك نفت مصادر الرئاسة الفرنسية أن تكون باريس تعمل في هذا الإطار مع الأميركيين.
ورأت المصادر أنه “ليس هناك مصلحة مشتركة تجمع الأحزاب في لبنان” إنما أصبح البلد بالنسبة إليهم “كعكة صغيرة” يحاول تقاسمها المزيد من الناس، وهذا بالطبع سيؤدي إلى نهاية سيئة وربما تكون “نهاية لبنان”، وعلى الرغم من ذلك تستمر الرئاسة الفرنسية في العمل على إقناع المسؤولين بما يجب القيام به قبل فوات الأوان، فالمسعى الإنقاذي يتطلب عمل الجانبين اللبناني والفرنسي معاً، لأن فرنسا لوحدها لا يمكنها أن تحل مكان أصحاب القرار في لبنان.
وعن دور طهران في الأزمة اللبنانية، تشير المصادر إلى أنّ الرئيس الفرنسي تناول مع نظيره الإيراني حسن روحاني الموضوع اللبناني وطالبه بالعمل على تسهيل تشكيل الحكومة، فأجابه روحاني بأنه عازم على العمل مع فرنسا لتحقيق هذا الهدف، ولكنّ ذلك بقي من دون أي تنفيذ من الجانب الإيراني الذي يواصل القول لباريس بأنه سيسهل تشكيل الحكومة اللبنانية ثم لا يلتزم بذلك.
وعما إذا كان الرئيس الفرنسي بصدد زيارة بيروت، أكدت المصادر الرئاسية أنّ ماكرون سيقوم بهذه الزيارة “عندما يرى ذلك مفيداً”، مشيرةً إلى أنّ زيارته إلى الخليج في نهاية شهر آذار لم تتأكد بعد لأن ذلك مرتبط بالوضع الصحي في أوروبا ومسألة فتح الحدود، وأكدت أنّ التحاور حول لبنان سيكون من بين أهداف زيارته إلى السعودية، بهدف التحضير لمساعدة لبنان وإقناع القيادة في المملكة بأهمية عودتهم للاهتمام بهذا البلد.