–لانا بدوان–جنوب العرب
حالة الفتور في العلاقات الأمريكية ـــ التركية، ليست دائمة، بل وليست هي المقياس لمسار تلك العلاقات بين الولايات المتحدة، وتركيا الدولة الأكثر مُساهمة في قوات حلف شمال الأطلسي من حيث العديد القتالي والطاقة البشرية.
فالعلاقات كانت على الدوام مطبوعة بلغة المصالح العليا، حيث ترى واشنطن، ومنذ الحرب الباردة (1953- 1990) أن لتركيا الدور الأهم في المنطقة، وفي مواجهة الإتحاد السوفييتي السابق إبان تلك السنوات التي كان يسودها درجات عالية من الإحتقان، كادت في فتراتٍ معينة أن تصل الى حدود المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة والغرب عموماً ضد الإتحاد السوفييتي وحلف فرصوفيا (حلف وارسو) السابق، بما في ذلك اطلاق التهديدات من قبل الإتحاد السوفييتي السابق بقصف مدن الغرب بالصواريخ العابرة للقارات، وحدث هذا إبان ماعُرِفَ بأزمة الصواريخ الروسية في كوبا أو (أزمة خليج الخنازير) عام 1961.
ما نعنيه من قولنا أعلاه، أن الولايات المتحدة، وتركيا، وإن مرّ مسار العلاقات بينهما بالتواءاتٍ معينة، الا أنها كانت خلافات عرضية، لاتمس بنية التحالف الإستراتيجي الأساسي القائم بينهما. لكن ملفات الأزمة السورية المعقدة راهناً وخلال السنوات الأخيرة، أرخت بظلالها على العلاقات بين الطرفين نتيجة التعقيدات والتداخلات في الأزمة السورية. فالولايات المتحدة وعلى سبيل التدقيق في جانبٍ هام، ترى بأن احتضان الحركة الكردية في شرقي الفرات وحتى الحدود التركية، أمرٌ لابد منه، بما في ذلك تزويد مجموعات (قسد) الكردية المسلحة بالعتاد والدعم اللوجستي في مواجهة الدولة السورية، والتنغيص على الدور الروسي وافشاله في مسارات الأزمة السورية.لذلك فإن الموقف في التعاطي الأمريكي مع الحركة الكردية ومجموعات (قسد) يُشكّل عنصر تباين واختلاف كبير بين تركيا والولايات المتحدة بشأن الموضوع السوري. حيث ترى تركيا بأن أمنها القومي يتطلب منها مواجهة تلك المجموعات الكردية الموجودة شرقي البلاد وحتى شرقي الفرات في سوريا الى شمال العراق. ولاتثق بالضمانات المقدمة لها من قبل الولايات المتحدة أو غيرها من دول الغرب بشأن الحركة الكردية، باعتبارها حركات انفصالية في الدولة الثلاث (تركيا + العراق + سوريا). بل وهناك انزعاج تركي دائم من حجم القوات الأمريكية والغربية (بريطانية وفرنسية وايطالية …) المتواجدة شرقي الفرات في سوريا، والتي تُقدم الدعم اللوجستي وحتى الحماية لمجموعات (قسد) والأحزاب الكردية ككل.
إن الخلافات أو التباينات الأمريكية التركية، بشأن التفاصيل بما يخص الملف السوري وازدياد النار المُستعرة في البلاد، دفع تركيا في أوقات معينة لمغازلة الطرف الروسي، بما في ذلك توقيع تفاهمات شراء منظومات صاروخية روسية لصالح تركيا مثل منظومة (اس اس 400)، وهناك بعض المعلومات الأوسع في هذا المجال التي تحدثت عن علاقات تبادل في شراء العتاد العسكري الروسي لصالح تركيا.
وهذا لايعني انفراط عقد العلاقات التركية الأمريكية على الإطلاق، بل تبقى تلك العلاقات أساسية بين البلدين. وواشنطن اقرب جداً من الناحية السياسية لأنقرة من موسكو. بل وترى واشنطن أن تركيا تقبع في الصف الأول المنهاض لموسكو وعلى تلاصق مع حدودها وحدود جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، الذي كانت روسيا تُشكل الجمهورية الأكبر فيه.
إن العلاقات التركية الأمريكية، علاقات تاريخية، لاتمحوها تباينات الملف السوري، والتفاصيل المتعلقة بشأنه، بل إن القوات العسكرية الأمريكية تتحرك نحو العراق وسوريا انطلاقاً من قواعدها العسكرية الموجودة فوق الأراضي التركية، وخاصة قاعدة (انجرليك). بل وتَمُر قوافل النفط المنهوبة من سوريا على يد مجموعات (قسد) من الأراضي التركية لتسويقها، بغطاء أمريكي صرف وتحت حماية ورعاية القوات الأمريكية منذ الرئيس السابق دونالد ترامب.
وعليه، لايُمكن الحديث عن هبوط أو تراجع استراتيجي في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، بل يُمكن الحديث عن تباينات تكتيكية آنية فقط، لها علاقة بعدد من العناوين المُتفرعة من تعقيدات الملف السوري، الذي تعبث به عدة أطراف إقليمية ودولية، عدا عن اصطدام النظام والمعارضة في سوريا دون التوصل لتفاهمات، وهو مايطيل من عمر الأزمة، ومن التدخلات والتداخلات الخارجية، والخاسر الأساسي هو الشعب السوري.
وفي هذا السياق، نقول أن ”عقلنة”الموقف الأمريكي، ”يُعقلن” معه الموقف التركي. لكن التحالف الإستراتيجي يبقى سيد الموقف بين واشنطن وأنقره، تجاه ملفات إضافية ابعد من الملف السوري، وخاصة منها ملف الصراع الأمريكي الروسي، الذي يبدو وكأنه تحت الصفيح الساخن.