هيام عيد-الديار
ترتدي المحطات التي حدّدها البابا فرنسيس الأول في زيارته التاريخية إلى العراق، طابعاً بالغ الدقة والحساسية كونها ترمز، وبشكل مباشر،إلى رسالة وجدول أعمال الكرسي الرسولي وتوجّهاته في المنطقة عموماً، وفي البلدان العربية والإقليمية حيث الوجود المسيحي يتعرض لتحديات خطيرة بشكل خاص. وعلى الرغم من تركيز البابا فرنسيس على العراق ومسيحييه ودعوته إلى السلام و «صمت الأسلحة»، فإن أوساطاً ديبلوماسية مطّلعة، كشفت عن أن لبنان حاضر بقوة في جدول أعمال الفاتيكان في المنطقة، وأن البابا فرنسيس يعتمد ديبلوماسية صامتة تجاه لبنان، وبعيدة عن الإعلام، ولكنها تحتفظ بدينامية خاصة تشجّع على حمايته من النزاعات أولاً، ودعم كل مبادرة قادرة على إنقاذ لبنان من أزمته الخطيرة ثانياً، وذلك، بصرف النظر عن الجهة أو الدولة التي تضطلع بالمبادرة الإنقاذية.
وأوضحت هذه الأوساط، أن زيارة الحبر الأعظم إلى العراق، تأتي في ظل ظروف صعبة وقاسية على كل المستويات، كادت أن تدفع باتجاه تأجيلها في اللحظة الأخيرة، لكن قداسة البابا أصرّ على القيام بها، خصوصاً وأن زيارة العراق كان من المقرّر أن تحصل في العام 2000، عندما أراد القديس البابا يوحنا بولس الثاني، القيام بها ولم يتم ذلك،كما تأجلت أيضاً من العام الماضي إلى هذا العام بسبب أزمة «كورونا»، والوضع الأمني المتفجّر في العراق، وبالتالي، فإن التوقيت اليوم، كما الهدف الأساسي، يندرجان في سياق موقف الفاتيكان الداعم للمصالحة والمساواة بين الشعوب، وهوما يركّز عليه الفاتيكان على الدوام. ومن هنا، أشارت الأوساط نفسها،إلى انحياز البابا إلى الفقراء بشكل خاص من جهة، وإلى وقوفه إلى خيار الحوار على الدوام، وفي هذا السياق، اندرج اللقاء مع المرجع آية الله السيستاني، والذي ركّز على التوجّه الحواري بين الأديان كافة، ومع المسلمين بشكل محدّد.
وفي تداعيات زيارة البابا العراقية على الساحة اللبنانية، أوضحت الأوساط الديبلوماسية ذاتها، أن لبنان هو في صلب اهتمامات قداسة البابا، لافتة إلى رسالته الأخيرة إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي، والتي أكد فيها على دعمه لبنان ومتابعته لكل تطورات الوضع فيه، والتي لا تلتقي بالضرورة مع المواقف اللبنانية، وخصوصاً السياسية في لبنان، ذلك أن الفاتيكان ليس طرفاً في المعادلات الداخلية، إذ أن جدول أعمال الكرسي الرسولي، يختلف من حيث الأولويات، مع جدول أعمال القوى اللبنانية، ولكن من دون أن يعني ذلك معارضتها. والأبرز أن هناك حرصاً كبيراً لدى الفاتيكان على لبنان، والمواقف التي تصدر عنه بالنسبة لكل ما هو مطروح في لبنان تنطلق من أولوياته، وليس من أولويات الأطراف اللبنانية، وبالتالي، فإن ما يصدر من مقاربات حول الموقف الفعلي للفاتيكان إزاء لبنان لا يتطابق مع الواقع، واستدركت هذه الأوساط أن استراتيجية الكرسي الرسولي، تقوم على رفض أي «توظيف» أو «استغلال» سياسي لدوره ومواقفه سواء بالنسبة للوضع في لبنان أو في أي بلد آخر، إذ أن الحبر الأعظم يدعم كل ما من شأنه مساعدة لبنان على كل المستويات، ولكن من دون الدخول في أية تأويلات مرتبطة بالإنقسامات السياسية الداخلية،أو حتى بالمواقف الدولية من الأزمة اللبنانية.