“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
تتسارع وتيرة الحوادث الداخلية في شكل مخيف مُنذرة بالاسوأ الذي يتّفق عليه الجميع ويخشون تداعياته الكارثية، تزامناً مع غليان شعبي بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار، تُرجم عودة لحركة قطع الطرق في عدد من المناطق، واستمرار الجمود الحكومي على حاله، وسط التشكيك الدائم والمتواصل من مرجعيات سياسية وحزبية، وحرب التسريبات التي يخوضها فريق حزبي عبر أدواته الأمنية والدعائية والمخابراتية والإعلامية من داخل المنظومة الحاكمة وخارجها، ما زاد من التدهور النقدي دافعاً بالليرة إلى مزيد من الإنهيار.
فخبر العقوبات “المدسوس” ، يأتي بعد فشل الفريق الذي تعاون في عملية “حفر جورة” سويسرا لحاكم مصرف لبنان، والتي جاءت نتيجة تقاطع مصالح أطراف داخلية وخارجية، من “حقد” مدير عام سابق يقيم في باريس و”عينه” على الحاكمية، وحليفه مسؤول أمني سابق كان “مشغّله” لفترة، وسفيرة في بيروت، إنتقلت من تل أبيب، حيث كانت سفيرة بلادها، إلى لبنان، في ظل معلومات عن ارتباطها بعلاقات قوية مع تل أبيب.
وهنا، تكشف مصادر متابعة للملف في جنيف، أن النيابة العامة السويسرية، حقّقت تقدّماً كبيراً في عملها، وباتت قاب قوسين أو أدنى من إصدار تقريرها، الذي سيمنع المحاكمة عن رياض سلامة، مُسقِطاً التهم عنه، ما سيرتدّ سلباً على الفريق الذي حرّض وخطّط وأدار عملية “الفخّ السويسري”.
وتتابع المصادر، أن تيقّن “المتآمرين” لخيبتهم السويسرية، قد وضعهم في موقف حرج، خصوصاً بعدما تورّطت مرجعية رئاسية لبنانية في العملية بناءً لمعطيات خاطئة قُدّمت لها، وسط حالة من التخبّط، والتي “تفتّقت” عنها عبقرية أمنية، أوصلت إلى تسريب خبر عبر وكالة “بلومبرغ”، كان سبقه تسريب خبر آخر قبل ساعات عبر وكالة محلية عن عقوبات أميركية وشيكة، وذلك، في لحظة شعبية ومالية حسّاسة، قبل أن تستدرك السفارة الأميركية في بيروت الأمر، وتستعيد المبادرة تزامناً مع تصريحات لمسؤولين أميركيين في واشنطن، نفت الخبر جملة وتفصيلاً.
وهنا، تكشف المعطيات أن “عوكر” فتحت “تحقيقاً” خاصاً لمعرفة الجهة الرسمية وشركائها الذين يقفون وراء إشاعة العقوبات، بعدما تبيّن أن أي مسؤول أميركي لم يُدلِ بمعلومات حول هذا الموضوع، كما أن أي نقاش لم يحصل.
وترى المصادر، أن الموقف الأميركي يحمل في طياته ما هو أبعد من نفي إشاعة، إذ جاء بمثابة الضربة القاضية لكل الحملات التي نظمت في لبنان وأوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية على مدى الأشهر الماضية، وأظهر فشل هذا الفريق في نسف ما تبقى من جسور بين المنظومة المصرفية والمالية اللبنانية من جهة، والمنظومة الدولية من جهة مقابلة، وبالتالي، قطع الطريق على مشروع إلحاق لبنان اقتصادياً ومالياً بالمحور الإيراني ـ السوري ـ العراقي ـ اليمني، بهدف الإطباق عليه واستكمال تغيير هويته السياسية والإقتصادية والثقافية والحضارية.
في كل الأحوال، “الماكينة” نفسها لم تهدأ او تتراجع، فمع انكشاف زوبعة العقوبات الاميركية ،خرج من أبواقها من يسرّب في بيروت أن حاكم المركزي ، يدير ثلاث منصات الكترونية عبر تطبيقات على الهاتف تبثّ من خارج لبنان، و تتلاعب بسعر الدولار في السوق اللبناني وتحديد قيمته صعوداً وهبوطاً، مستنداً في كلامه الى تقرير أمني رفع لمرجعية رسمية ،غامزاً من قناة نفس الجهاز الذي يقف وراء “خبرية” العقوبات.
واضح من القراءة الواقعية للتطورات، أن الطبقة الحاكمة ترغب بجعل الحاكم “عِجلاً مسمّناً”، يُضحّى به على مذبح الأزمة المالية والإنهيار الإقتصادي، رغم أنه يتحمّل حصته مما وصلت إليه الأمور، ورغم تسوية التدقيق الجنائي، إلاّ أن عائق المحاصصة و”الهيمنة” على قرار المصرف المركزي يحول حتى الساعة دون خطوة “إزاحته” من المشهد.
فعلى الصعيد الخارجي، ثمة صراع أميركي – أوروبي، وفرنسي بالتحديد حول اختيار البديل، ذلك أن باريس تملك مرشحها رابطةً الأمر باستحقاقات مستقبلية، تتعلق بالتعاون بين مصرف لبنان والبنك الأوروبي.
أما واشنطن، التي لم تهضم بعد “كف” خسارة معركة تعيين نواب الحاكم، ترغب بمرشّح يحقّق استراتيجيتها المتعلّقة بخنق “حزب الله” مالياً ، وإلحاق لبنان بمنظومتها المالية ،أياً كان الإسم المرشّح.
أما داخلياً، فالسائد هو منطق المحاصصة، حيث يفكر العونيون بتعيين من يدين لهم وحدهم، ليضمنوا سيطرتهم، حتى في حال خسارتهم الإنتخابات الرئاسية بعد سنتين، كون ولاية الحاكم ست سنوات، فيما يقف بمواجهتهم فريق سياسي لا يُستهان به، تمكّن حتى الساعة من خلق توازن داخلي، أعاق أي عملية محاسبة أو مساءلة لرياض سلامة.
أما “حزب الله”، غير المتضرّر من حاكم المركزي الحالي، الذي تعاون إلى أقصى الحدود مع حارة حريك، وغطّى الكثير من عملياتها، خلافاً لكل ما يقال، يريد حاكماً على صورة ومثال الحالي، الذي أراحه على صعيد العقوبات الأميركية، وسمح له بالإفلات منها عبر الثغرات.
عليه، هل بدأ انتقام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ سؤال مشروع في ظل دخان الإحتجاجات الحاجب للرؤية؟ إذا صحّت الإتهامات للحاكم، بأنه يحرّك منصّات خارجية تتحكّم بسعر صرف الدولار في بيروت، يكون رياض سلامة حكماً المحرّك الأول للتحرّكات الأخيرة، ويكون رياض سلامة “عم يسقي السلطة السياسية” من نفس الكأس “الذي شرّبته ياه”.
يقول المثل اللبناني “ما شفناهم عم يسرقوا شفناهم عم يتقاتلوا عالقسمة”، “فالقلّة بِتولّد النقار”. أما بالنسبة للشاطر حسن، فإن الرؤية واضحة جليّة، “علَيي وعلى أعدائي يا رب”، تمثّلاً بشمشوم الجبًار ودولة داليلا…. هكذا يتعامل المسؤولون وعلى هذا الطريق سائرون حتى سقوط آخر أعمدة المعبد، على قاعدة” بين حانة ومانا ضاعت لحانا”… لكن انتبهوا، نصيحة “خيّطوا بغير هالمسلّة”….