أي معنى لقداس أور؟

الديار

لدى تسلم البابا فرنسيس، الآتي من الجلجلة، الشارة الحبرية في 20 أذار 2013، كتبت «لا تدع الله يستريح»، بعدما كان روجيه غارودي قد خشي أن يمتد اليوم السابع (وقد استراح فيه) الى الأبد، دون أن يكترث بآلام البشر على الأرض.
البابا، بالشخصية الفذة، بتقشفها، وبكونها ظلاً للسيد المسيح، على أرض أور، مهد ابراهيم (أبو الأمم بالعبرية)، ربما ليذكّر من يعنيهم الأمر بالأخوة بين البشر، بعدما رأينا، وفي هذه المنطقة بالذات، كيف تحولت الأديان الى ايديولوجيات (ايديولوجيات مجنون).

من تراه يستطيع القول أن أبا بكر البغدادي، بالتأويل التوراتي للنص القرآني، يختلف عن مناحيم بيغن، أوعن غولدا مئير، أو عن بنيامين نتنياهو، في تسويق ثقافة الدم؟

ربما ذهب البابا الى هناك ليقول لابراهيم «أليس العرب أبناءك أيضا؟»، بعدما حاولت قناة «فوكس» الأميركية اقناعنا بأن «ميثاق ابراهيم» بين اسرائيل وبعض العرب، بل ومع يعرب بن قحطان أيضاً، وحيث لا مكان للفلسطيينيين على ترابهم، تتويج للمصالحة بين اسحق واسماعيل، الوجه الآخر لقايين وهابيل، وحيث المصالحة بين القاتل والقتيل.

من زمان، هاجرت المسيحية من هذا الشرق. عدنان خاشقجي كتب، في صحيفة «الحياة»، «ليعلموا أن هذه المنطقة للسنّة»، دون أن يعي بأن أهل السنّة هم أهل الأمة بكل أطيافها، وبكل مكوناتها، وحتى بكل معتقداتها…

ما دامت المسيحية قد هاجرت، لماذا لا يلحق بها المسيحيون؟ هنا النكبة الكبرى، باجتثاث آلاف السنين من ذاكرتنا. أين مسيحيو فلسطين، وأين مسيحيو العراق؟ وماذا كان يمكن أن يحدث للمسيحيين في سوريا لو سقطت الدولة بيد البرابرة؟ مسيحيو لبنان الذين أصابتهم عدوى داحس والغبراء، يهاجرون على يد القادة المسيحيين الذين لا ندري من هو بينهم قسطنطين الأكبر.

لن نسأل الحبر الأعظم، وهو الوحيد بعد السوري غريغوري الثاث (731 ـ 741)، من خارج القارة العجوز، ألا تستحق المنطقة التي استضافت كل الأنبياء، أن يكون أسقف روما منها، وان كانت أحزان كثيرة تجمعنا مع أميركا اللاتينية، بلاد خورخي ماريو بيرجوليو الذي، على خطى شفيعه القديس فرنسيس الأسيزي، في ادراك المعنى العقائدي للكنيسة، حماية المحطمين لا الطغاة!

القارة التي أنتجت أدولف هتلر، ويظل أقل وحشية من أولئك الذين نشروا العبودية في أميركا، وفي أفريقيا، وفي آسيا، بقوة الأساطيل لا بقوة الكتب المنزلة، تستأثر باختيار آباء الكنيسة الكاثوليكية الذين طالما عانوا، ويعانون، اذا ما تابعنا كلام البابا يوحنا بولس الثاني، مما تقوم به الأمبراطوريات لتدمير البنى الأخلاقية والفلسفية للمجتمعات، باعطاء الأولوية لقيم السوق. هذا فضلاً عن تفكيك العلاقات بين المجتمعات اياها، وهو ما ظهر جلياً حين واجه العام الجائحة. كل دولة أقامت الأسوار حول أراضيها.

والبابا بيننا، وتحت شعارات تهز الضمير البشري، نسأل الحبر الأعظم: ماذا تبقى من المسيحية، وماذا تبقى من الاسلام، مع صراع الحضارات، وصراع الكراهيات، وصراع الأسواق. وفي هذه المنطقة بالذات، وحيث التيه السياسي، والتيه الثقافي، والتيه الاقتصادي، ما دامت تقارير البنك الدولي، تحذر من وصول بلدان المنطقة الى الحائط بعد أقل من 15 عاماً، ألا نعيش على تخوم الأبوكاليبس؟

هل يكفي القداس التاريخي، وبرئاسة شخصية تنحني لها القامات، في أرض أور التي تحولت، كأي أرض عربية أخرى، الى مكان للشتات، بانتظار ما ياتي به الاله الأميركي، وهو لا يأتي الا بالشتات. لهذا نقول لصديقنا البابا اننا نعيش قي زمن الكلمة القاتلة، لا في زمن العصا القاتلة، ولا في زمن الرصاصة القاتلة.

المسيحيون ليسوا وحدهم الذين هاجروا من هذا الشرق. المسلمون أيضاً يقفون عند الأبواب الأخرى، وعند الطرقات الأخرى. ولن يكون الله من يرث الأرض بل سدنة الهيكل بعدما وضعت الأمبراطوريات الناصري ثانية على الخشبة، وأعطت يهوذا صلاحيات الآلهة…

Exit mobile version