ملاك عقيل -أساس ميديا
تتّجه الدعوى الثانية المرفوعة من القاضي المستقيل بيتر جرمانوس ضدّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، إلى الحفظ، في ظل سقطة قانونية ارتكبها مفوّض الحكومة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، بالادّعاء على عثمان من دون إذنٍ من المرجع المختصّ أي وزير الداخلية.
الإذن لم يُرفض لأنه لم يُطلب أصلًا. ولو طُلِب لكان الوزير محمد فهمي سيرفضه كما صرّح سابقًا لموقع “أساس”. ولأنه ليس هناك إذن بالملاحقة كما يفرض القانون، تُعتبر ملاحقة عثمان غيرَ جائزة قانونًا، والادّعاء باطلًا، بتأكيد مصادر قضائية.
هكذا وبعد ادّعاء عقيقي على عثمان بموجب ورقة طلب من جرمانوس، وإحالته الملف إلى قاضي التحقيق العسكري فادي صوّان، وتحديد الأخير جلسة له في 9 الجاري، أبدى المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عوبدات، مطالعته التي خلص فيها إلى ضرورة اتّباع الإجراءات القانونية، والاستحصال على الإذن قبل الإدّعاء، وحوّل الملف إلى معاون مفوّض الحكومة القاضي كلود غانم، الذي سيُصدر قراره ضمن التوجّه نفسه، كون الملاحقة غير جائزة من أساسها.
وأبدت النيابة العامة التمييزية مطالعتها في الملف سندًا إلى المادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وجاء فيها: “على كل من النائب العام الاستئنافي والنائب العام المالي ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، والمدير العام للأمن العام، والمدير العام لأمن الدولة، أن يبلّغوا النائب العام لدى محكمة التمييز، عن الجرائم الخطرة التي علِموا بها، وأن يتقيّدوا بتوجيهاته في شأنها. وله أن يطّلع على ملف التحقيق الذي يتولاه أحد قضاة التحقيق، وأن يطلب من النائب العام المختصّ إبداء المطالعة التي تتوافق مع توجيهاته الخطية”.
ووفق المعلومات، سيطلب القاضي غانم الذي تسلّم الإحالة بعد ظهر يوم الخميس، من المستنطق، القيام بالإجراءات القانونية وفقًا لمطالعة النيابة العامة التمييزية. وخلال دراسة الملفّ، سيتبيّن أنّ الادّعاء العام تحرّك في ظل جرم غير مشهود (ما يوجب أخذ الإذن مسبّقًا من المرجع الصالح، ورفع الحصانة بخلاف حالة الجرم المشهود) فتكون الحصانة في هذه الحال قائمةً لمصلحة الموظف، ما سيوجب وقف الملاحقة، وإحالة الملف إلى وزير الداخلية لأخذ الإذن وهذا ما لن يحصل، ما سيؤدي إلى حفظ الملف”.
ويؤكّد مطّلعون: “كان على مفوّض الحكومة السابق جرمانوس قبل إعداد ورقة طلب الدعوى، أن يتقدّم بالمستندات التي بحوزته إلى وزير الداخلية، لإثبات وجود شبهة على اللواء عثمان، ما قد يُحرج عندها الأخير ويدفعه ربما إلى إعطاء الإذن. كما كان لديه خيار الذهاب إلى المدّعي العام التمييزي الذي بإمكانه أن يكسر قرار وزير الداخلية ويعطي الإذن بالملاحقة، لكنه لم يفعل ذلك”.
لكنّ المادة 16 نفسها (إضافة إلى المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) التي استند إليها القاضي عويدات، لوقف الملاحقة بحقّ موظف برتبة لواء بسبب وجود مخالفة قانونية، رفعتها جهات سياسية بوجه المدّعي العام التمييزي، عبر اتهامه بـ “تنييم” ملف آخر مرتبط أيضًا باللواء عماد عثمان، وهو دعوى المدعي العام لجبل لبنان القاضية غادة عون على عثمان، بتهمة الإخلال الوظيفي في ملف الدولار المدعوم.
في الوقائع، في رصيد عماد عثمان ثلاث دعاوى: اثنتان رفعهما القاضي جرمانوس ضد المدير العام لقوى الأمن الداخلي في ملف الأذونات والرخص غير القانونية، ويُتوقّع الذهاب نحو حفظ الدعوى. وهي على ما يبدو تشكّل إصرارًا من قبل جرمانوس على مواجهة عثمان بمفعول رجعي. فالدعوى الأولى تعود إلى 2019. كما شكّلت الأذونات سابقًا عنوان مواجهة حادة عام 2019 بين عثمان والنائب جبران باسيل، الذي تحدّث صراحة عن “ضابطة عدلية، يجب مواجهتها، تتولّى الترخيص فوق الوزارة وفوق الإدارة، من حفر آبار وحماية كسارة ومرملة، وتتباهى بتوقيع إعطاء رخص مخالفة للقانون”.
والثالثة ادّعت فيها القاضية عون على عثمان وعلى رئيس قسم المباحث الجنائية الاقليمية العميد حسين صالح بتهمة الإخلال الوظيفي، وأحالت الشكوى إلى قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، وذلك في 18 كانون الأول الماضي. فقد ادّعت عليهما بـ”جنحة مشهودة” تتعلّق بمخالفة استنابة قضائية، بعد منع “المديرية” الرائد علي جفّال (في مفرزة الضاحية الجنوبية) من معاونة المدّعي العام لجبل لبنان في تحقيق مفتوح بملفّ الدولار المدعوم، وذلك بالتزامن مع استدعاء رياض سلامة إلى التحقيق معه في القضية.
وبعدها أرسل عويدات كتابًا إلى القاضي منصور في 22 كانون الأّوّل طلب “الحضور إلى مكتبنا نهار الاثنين في 4 كانون الثاني مع الملف والشكوى المشار إليهما في متن كتاب النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، لإطلاعنا عليهما على ضوء المادتين 15 و16 من قانون أ.م.ج”. مع العلم أنّ مفرزة الضاحية القضائية هي التي وضعت يدها بدايةً على الملف، وأجرت تحقيقات مع كبار الصرافين. كما استمعت عون إلى إفادة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الملف عينه.
لكنّ مطّلعين على الملف يسردون الوقائع التالية: الاستنابة أُرسلت بالفاكس إلى آمر مفرزة الضاحية القضائية في اليوم نفسه للتكليف في 17-12-2020 من دون تحديد التوقيت والمكان، وتطلب من خلالها القاضية عون التعاون في التحقيق المُجرى من قِبلها بموضوع الدولار المدعوم. وتصرّفت عون وكأن لا ضباط في قوى الأمن سوى لمعاونتها، وكأن لا مهامّ أخرى لهم خارج صفتهم كضباط عدليين. أو حتى بصفتهم كضباط عدليين كأن لا نياباتٍ عامة أخرى يعاونونها.
ويؤكّد المطلعون أنّ “اللواء عثمان أرسل برقية في اليوم التالي بتعذّر إيفاد الرائد جفّال، وليس التمنّع عن تنفيذ القرار، معدّدًا الأسباب القانونية التي تحول دون ذلك”، مشيرين إلى أنّ الملف “بقي في عهدة القاضي عويدات ضمن مهلة معقولة. فخلال هذه الفترة وبسبب إجراءات الإقفال العام، كان هناك إغلاق وعُلّقت الجلسات، والأمر سيبقى على ما هو عليه حتى نهاية الأسبوع الحالي. وبالتالي حتى لو أعاد عويدات الملف إلى القاضي منصور، فلم يكن ليفعل شيئًا بسبب تعليق الجلسات باستثناء جلسات الموقوفين، إلّا إذا كان الملف بوضعية الـ Hot file وفق توصيف الوزير السابق سليم جريصاتي للملفات الموضوعة على مكتبه”.
ووفق المطّلعين، فإنّه “خلافًا لما ذُكر في بعض وسائل الإعلام، لم يردّ القاضي عويدات الملف بمطالعة تؤكّد أنّ اللواء عثمان قد أخطأ بعدم إيفاده ضابطًا لمعاونة القاضية عون. هذا الأمر غير صحيح. فهناك فرق بين اعتبار المدير العام أو أيّ شخص، هو تحت سقف المساءلة القضائية، وبين اعتبار أنّه ارتكب جرمًا. والإدانة لا تحصل أصلًا إلّا بحكم من المحكمة وليس لمجرد الادّعاء. ومبدأ الخضوع للمساءلة يجب أن يتمّ من خلال تطبيق سليم لإجراءات الملاحقة”.
وأمس أكمل العونيون مسارهم في ما سمّوه “فضيحة” إبقاء ملفّ عثمان لشهرين في النيابة العامة التمييزية، واضعين إياها برسم رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والتفتيش القضائي.