رفع العقوبات عن إيران ثم إعادة فرضها يفسران سبب تعنت طهران أمام خطوات الرئيس الأميركي الأخيرة (رويترز)
وكانت ورقة العقوبات الاقتصادية هي الدافع الذي حفز إيران على إتمام الاتفاق النووي عام 2015 مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وهي الورقة نفسها التي عظم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من استخدامها للضغط على طهران فيما عرف بسياسة الضغط الأقصى، والآن هي الورقة الرئيسة في المعركة بين الولايات المتحدة وإيران، لكن على الرغم من أن النظام الإيراني المأزوم منذ تأسيسه، سواء بحظر، أو عقوبات، أو عزلة، ميزت موقف العالم الخارجي منه، قد تكيف مع ظروف العقوبات بتباهيه أنه انتهج ما يسميه اقتصاد المقاومة، أو اقتصاد الحرب القائم على التهريب.
لكن، بتتبع مسار العقوبات على إيران منذ فترة أوباما، وليس منذ التسعينيات، وتداعيات رفع العقوبات من قبل إدارة أوباما في أعقاب إتمام الاتفاق عام 2015، والتداعيات على طهران بعد إعادتها مرة أخرى في عهد ترمب، تتضح أهمية ورقة العقوبات لدى إيران.
كان أثر العقوبات الاقتصادية واضحاً، فقد تقلص النمو الاقتصادي لإيران بفعل العقوبات الخانقة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالى منذ 2011 حتى 2016 بنسبة 20 في المئة، وارتفع معدل البطالة نحو 20 في المئة، كما تراجعت الصادرات النفطية، وانخفضت العملة الإيرانية بنسبة 200 في المئة، وارتفع التضخم إلى 40 في المئة.
ففي أعقاب إتمام خطة العمل الشاملة المشتركة تم رفع العقوبات الأميركية الثانوية المفروضة على إيران، ومعظمها يتعلق بالتجارة بين الولايات المتحدة وإيران، مثل تلك المفروضة على تصدير طهران النفط، والتي تحد من الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة الإيراني، وعقوبات القطاع المالي والعقوبات المفروضة على قطاع السيارات الإيراني، كما تم رفع العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة.
وأسهم رفع العقوبات عن إيران بإعطاء دفعة للاقتصاد، وسرعان ما اجتذبت الأسواق الإيرانية الاستثمارات الأوروبية، فقد رفع الاتحاد الأوروبي العقوبات التي تم فرض معظمها في عام 2012، ومنها رفع الحظر عن واردات النفط والغاز الإيراني، واستحوذت أوروبا على 34 في المئة من مبيعات شركة النفط الوطنية الإيرانية حتى يوليو (تموز) 2017، مقارنة بـ31 في المئة في نهاية عام 2016، فقد استؤنفت واردات النفط من إيران في مارس (آذار) 2016، وعادت إلى مستويات 2011 تقريباً، التي كانت نحو 600.000 برميل يومياً.
كما وقعت شركة “توتال” الفرنسية وشركة الصين الوطنية تفاهماً لتطوير حقل بارس، فضلاً عن توقيع اتفاقات مع شركات السيارات الفرنسية والألمانية لتوسيع الإنتاج بإيران وتعاقدات شركة “سيمنز” الألمانية، ووصلت صادرات ألمانيا إلى إيران في عام 2017 إلى 3 مليارات يورو، كما تم رفع الحظر على كل من التأمين على شحن النفط أو البتروكيماويات من إيران وتجميد أصول العديد من الشركات الإيرانية المشاركة في الشحن، ورفع حظر التجارة مع إيران في الذهب والمعادن الثمينة والبتروكيماويات، وإلغاء تجميد أصول المصرف المركزي الإيراني، ورفع حظر المعاملات بين البنوك الأوروبية وجميع البنوك الإيرانية، ورفع حظر التصدير إلى إيران من الغرافيت والمعادن، مثل الألومنيوم، والصلب، والبرمجيات الصناعية، وتكنولوجيا بناء السفن، وقدرات تخزين النفط، وخدمات الإبلاغ، أو التصنيف الخاصة بالناقلات الإيرانية وسفن الشحن.
ثم كان لسياسة الضغط الأقصى المفضية إلى عودة العقوبات الأميركية، التي تستهدف بالأساس الضغط الاقتصادي على إيران، وإعاقة دمجها في الاقتصاد العالمي، وتخوف الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية، ما أدى إلى مزيد من تدهور العملة الإيرانية وتأجج الاحتجاجات الشعبية عدة مرات 2017، و2018 و2019 على خلفية الضائقة الاقتصادية، والتي طالت شعاراتها التنديد بكل رؤوس النظام. فنظراً لاعتماد اقتصاد إيران على 60 في المئة من قطاع النفط، فقد أدت حرب العقوبات الأميركية، التي وضعت الاقتصاد الإيراني أمام ضغوط اقتصادية، إلى ارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع العملة والاستثمارات الأجنبية وتزايد البطالة.
كل التأثيرات السابقة لرفع العقوبات عن إيران، ثم إعادة فرضها، تفسر سبب تعنتها أمام خطوات حسن النية التي اتخذها الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً ورفضتها طهران متمسكة برفع العقوبات أولاً، كما تفسر لماذا على إدارة بايدن توظيف العقوبات كورقة ضغط دائمة فى التعامل مع الملف الإيراني.