العلاّمة عدنان الجنيد
التعايش المذهبي بين اليمنيين
إن المذهبين البارزين والأكثر انتشاراً في اليمن هما الزيدي والشافعي ومن يستقرئ تأريخ اليمن والدول التي حكمتها فلن يجد أي صراع أو حروباً مذهبية مثل ما جرى من حروب مذهبية في غيرها من الامصار وأما الحروب التي كانت بين بني رسول وبين الأئمة الزيدية إنما كانت لأسباب سياسية لا مذهبية بل كل الحروب التي حدثت في اليمن كانت سياسية فقط بشهادة المؤرخين اليمنيين والرحالة العرب..
حتى أن السيدة أروى لما حكمت اليمن كان في مجلسها ممثلوا المذاهب الأخرى ولم تجبر رعيتها على مذهبها وكذلك علي بن محمد الصليحي فكان الناس يعيشون بحرية كل واحد يمارس طقوسه الدينية حسب مذهبه ويروي التأريخ أن علي بن محمد الصليحي كان يعين قاضي القضاة من الشافعية مع أنه فاطمي إسماعيلي وهذا يدل على روح التسامح وقبوله للمذاهب الأخرى.
كذلك بيت حميد الدين لما حكموا اليمن لم يفرضوا على الناس مذهبهم ( الزيدي ) بل إن الإمام أحمد كان يولي في المناطق الشافعية قضاة منهم مع أنه كان قادراً على أن يفرض على رعيته المذهب الزيدي الذي ينتهجه لاسيما وأن بيده زمام الحكم والبلاد في قبضته وهذا دليل على اعترافه بالمذاهب الأخرى وسماحه لرعيته بأن يتمذهبوا بأي مذهب شاؤوا وهذا يعد العامل الأول الذي أسهم في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين ( الزيدي والشافعي ) .
– العامل الثاني : محبة آل البيت – عليهم السلام – والتقارب المذهبي في عدد من المسائل الفقهية وإليك توضيح ذلك:
إن الإمام الشافعي كان من أكبر المتفانيين بحب أهل البيت – عليهم السلام – وهو الذي أوجب الصلاة على الآل في التشهد وهو القائل :- يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله… إلى غير ذلك من أبياته الشعرية التي تنم على تشيعه ومحبته للعترة الطاهرة عليهم – السلام – ومن يقرأ كتابه الأم فسوف يجد آراء كثيرة يتفق بها مع المذهب الزيدي مثل التثويب في صلاة الفجر ( الصلاة خير من النوم ) فهي لم تصح عنده.
وكذلك أذان الجمعة يرى أنه أذان واحد فقط إلى غيرها من الآراء التي يتوافق معها بالمذهب الزيدي وكثيراً ما كان يقول :” إذا صح الحديث فهو مذهبي “..
– العامل الثالث: انفتاح فقهاء المذهبين على بعضهما سواء في التلقي من خلال تلقي علماء كل مذهب من الآخر ، أو الفتوى المرنة التي تتضمن ماهو معتمد لدى المذاهب الآخر..
– العامل الرابع: وحدة دور العبادة بين الطرفين فلا توجد مساجد خاصة بكل مذهب كما هو الحال في عدد من الدول .
– العامل الخامس: وحدة الزي الشعبي لدى المنتمين لكلا المذهبين بخلاف بقية الدول حيث يتميز علماء كل مذهب بزي عن علماء المذهب الآخر .
– العامل السادس: الاندماج الاجتماعي من خلال علاقات المصاهرة والزواج والتي كانت تتم بين المنتمين للمذهبين دون أي إشكالية. إلى غيرها من العوامل التي جعلت من المذهبين نموذجاً فريداً في التعايش والتصالح والتسامح وكل هذه العوامل التي ذكرناها آنفاً والتي اسهمت في تحصين الوعي وتغذية التلاقح الفقهي والفكري بين المذهبين ( الزيدي والشافعي ) كل هذه العوامل – أيضاً – عززت الهوية اليمنية بكل جوانبها ( الثقافية والدينية والتأريخية وغيرها ) .
وهكذا ظل أبناء اليمن ( زيدية وشافعية ) متمسكين بدينهم معتزين بهويتهم حتى دخل الفكر الوهابي النجدي والذي اشعل الفتن في كل بيت فضلاً عن اشعاله للفتنة في جميع المناطق اليمنية وستعرف لاحقاً خطواته الشيطانية التي قام بها لضرب هوية اليمنيين وكيف عمل على تحريف دينهم والتشكيك بعقيدتهم.
لماذا تم استهداف الهوية اليمنية؟
الكل يعلم بأن اليمنيين هم أوائل الذين اسلموا ولحقوا بركب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أفراداً وجماعات وما وصل رسل رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلا وقد كان هناك جملة من اليمنيين الذين اسلموا وكذلك من قبلهم الأوس والخزرج الذين سماهم رسول الله فيما بعد بالأنصار لأنهم ناصروا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في السراء والضراء..
إن اليمنيين هم مادة الإيمان وعبرهم انتشر الإسلام إلى جميع البلدان ويكفي من عظمتهم أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وصف الإيمان بأنه يماني ” الإيمان يمان والحكمة يمانية ” ولا يوجد شعب من الشعوب حاز على أوسمة الشرف الخالدة من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كما حصل عليها أهل اليمن فقد ورد في فضلهم أكثر من أربعين حديثاً ناهيك عن الآيات القرآنية التي نزلت في حقهم.
إن أهل اليمن هم مدد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهم ظهره وانصاره سواء في أيام حياته أو بعد وفاته إلى قيام الساعة.. فقد روى الطبراني عن أبي أمامة البابلي قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ :- ” إن الله استقبل بي الشام وولى ظهري اليمن وقال لي : يا محمد قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا ، وما خلف ظهرك مددا ولا يزال الإسلام يزيد وينقص الشرك حتى تسير المرأتان لايخشيان إلا جورا ” ثم قال : ” والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم ” .
نعم إن اليمنيين هم مدد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – ومدد الإسلام فهم الذين نصروا الإسلام عبر مراحل التأريخ وإلى يومنا هذا, فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد وصفهم قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمن بأنهم الناصرون لهذا الدين والحاملون له. فعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال بعث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، فبعث علياً – عليه السلام – وكنا فيمن عقِّب على علي ثم صفنا صفاً واحداً وتقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فأسلمت همدان جميعاً فكتب إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بإسلامهم ، فلما قرأ – صلى الله عليه وآله وسلم – الكتاب خرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال : السلام على همدان السلام على همدان..”(1).
وفي رواية قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : ” نعم الحي همدان.. ماأسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد منهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام..”(2)
قلت : إن هذا الحديث – الآنف الذكر – له دلالات عظيمة واشارات فخيمة تشير إلى عظمة اليمنيين وما خصهم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بنصرهم للإسلام وصبرهم على مصائب ودواهي الأيام والأعوام وذلك في سبيل الحق تعالى .
والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم – ما وصف همدان بهذا الوصف إلا لأنه نظر بنظره الغيبي والمستقبلي إلى ما سيكون منهم ومن أحفادهم وذريتهم من نصرتهم للإسلام وصبرهم على ضيم الأيام.. فقد كان لهم موقف بارز في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام – حيث نصروه في جميع حروبه لاسيما في يوم صفين ولهذا قال لهم الإمام علي في يوم صفين ” يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي “(3)وقال فيهم – ايضا – :” ولو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام “(4)..
وهاهو ذا موقفهم البارز والأكبر يتجلى بشكل أوسع هو في عصرنا الحاضر حيث أصبحت همدان ومعها كل القبائل اليمنية تنصر الإسلام وتقدم الآلاف من الشهداء في سبيل الله ونصرة نبيه ودينه ، فأهل اليمن يمثلون الإيمان كله ، ويواجهون الكفر كله.. فهم اليوم ينوبون عن كل الشعوب الإسلامية ويقاتلون من أجل الدين الإسلامي وكرامة المسلمين من أجل أن يعيدوا عزة المسلمين ومجدهم وحريتهم…
وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن همدان يعد دليلا واضحا على ماهو واقع ويجري في عصرنا الحاضر “وما اصبرها على الجهد.” إذ لا يوجد شعب من شعوب الأرض قد صبر هذا الصبر رغم الحصار الجوي والبحري والبري والذي لا يزال مستمرا منذ ما يزيد عن اربع سنوات..
إن كل ما ذكرناه – آنفاً – عن فضل أهل اليمن وعن مناصرتهم لرسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كل ذلك ذكرناه لتعلم بأن اعداء الأمة من اليهود والنصارى يدركون عظمة اليمنيين ويعلمون دورهم في مناصرة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – والإسلام بل هم أعرف بتأريخ المسلمين من المسلمين ولهذا هم يخططون للمسلمين لا يغفلون عنهم طرفة عين فكيف سيغفلون عن اليمنيين الذين هم حملة الإسلام وحماة الدين وأنصار رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله أجمعين !!
نعم إنهم يعلمون أن أهل اليمن هم أهل الإسلام الأصيل ويدركون أن الخطر عليهم قادم من هذا الشعب الأبي المتمسك بعزته وكرامته والذي لا يقبل الضيم والتأريخ شاهد بأن اليمن مقبرة الغزاة .
إن اليهود يعلمون أنهم لم ولن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم إلا بالقضاء على هذا الشعب من خلال القضاء على هويته حتى ينسلخ منها ويكون بلا هوية بل مجرد تابع وعميل ولهذا قاموا بإنشاء دولة بني سعود تزامناً مع انشائهم لدولة بني صهيون التي أنشأتها وتعهدتها بريطانيا وبعد ذلك رعتها أمريكا ثم تبنتها “إسرائيل” فبعد عام 1915م بدأ بنو سعود مع تيارهم الديني الوهابي بغزو قرى ومناطق الحجاز ثم غزو مناطق الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى بعض مناطق العراق وكذلك اليمن سلبوا فيها أموال المسلمين وسبوا نساءهم وقتلوا أطفالهم وخربوا منازلهم وقبابهم وأضرحتهم وكم فعلوا من جرائم ومجازر يندى لها جبين الإنسانية ولا أحد يجهل مجزرة تنومة – في وادي عسير – والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة ألآف حاج يمني..
خطوات استهداف الهوية اليمنية
إن استهداف الوهابية – أدوات الصهاينة للشعب اليمني – بدأ بشكل مباشر من بعد قيام الجمهورية, فلقد بدأ الفكر الوهابي بالدخول إلى اليمن في بداية السبعينيات خاصة بعد حكم المشير عبدالله السلال وبالتحديد أيام حكم القاضي عبدالرحمن الأرياني, هنا بدأت السعودية بالتدخل وبدأت بإنشاء المعاهد الدينية بالذات في تعز حيث جعلوا جزءا من مدرسة الثورة الثانوية – في مدينة تعز – معهداً دينياً وجمعوا الإخوان للعمل فيه وكانت تحصل صراعات بين طلاب المعهد وبين طلاب مدرسة الثورة، وكان طلاب المعهد يتهمون طلاب المدرسة الثانوية بأنهم يقطعون المصاحف ويدوسونها بأقدامهم وهذه عادة الوهابية في اتهامهم لكل من خالفهم، وكان لطلاب المعهد مبالغ مالية وتغذية شهرية من وزارة المعارف السعودية واستمرت هذه المعاهد بشكل قليل جداً حتى أيام الحمدي ولم يحصل لها الانتشار الكبير في جميع مناطق الجمهورية إلا في عهد علي عبدلله صالح فبعد اغتيال الشهيد الحمدي وصعود علي عبدالله صالح سدة الحكم استباحت السعودية البلاد وعاثت بفكرها الوهابي الفساد الذي صدرته إلى الشعب اليمني، وتدخلت في جميع شؤون البلاد فلا صغيرة ولا كبيرة إلا ولها يد فيها بل كان لها الوصاية الكاملة على البلاد..
وبعد حرب 79م وظهور الجبهة الوطنية وتوسعها في المناطق الوسطى تم انشاء هيئة عامة للمعاهد العلمية توازي وزارة التربية والتعليم ووضعت ميزانية مالية ضخمة لها وتم تحزيم حدود مناطق الشمال المحاذية للجنوب بالمعاهد الدينية حماية لسلطة صنعاء من الغزو الشيوعي حسب تعبيرهم وممكن أن نلخص خطواتهم لاستهداف الهوية اليمنية بالآتي:
# إنشاء المعاهد الدينية ( الوهابية ) في جميع مناطق اليمن :
إن أغلب المعاهد الدينية التي تم انشاؤها في اليمن كان في الثمانينيات وأول معهد تم إنشاؤه في مدينة تعز هو معهد تحفيظ القرآن وكانوا يبنون المعاهد في الأماكن التي يتواجد فيها إما مشائخ أو علماء أو مدارس أو أربطة دينية أو مساجد تأريخية تابعة لكل من الزيدية والصوفية والشافعية, فمثلاً في مدينة صعدة التي فيها ضريح ومسجد الإمام الهادي -ع – ومدارسه العلمية أسس الوهابية دار الحديث في دماج في منطقة قريبة من مدينة صعدة وفي محافظة تعز بنوا معاهد في مناطق ذي البرح معهد القادسية ومعهد البرداد في برداد وكلاهما في مديرية صبر الموادم ومعهد حراء في جرجور تحت المسراخ ومعهد بئيس في حصبان وكلاهما في مديرية المسراخ إلى غيرها من المعاهد..
استهدفوا هذه المناطق لقربها من مسجد وضريح إمام الصوفية أحمد بن علوان _ قدس الله سره _ كذلك لأن هذه المناطق فيها علماء صوفية وشافعية وتقام فيها حوليات الأولياء واستهدفوا كذلك مدينة الجند التي فيها مسجد معاذ بن جبل استهدفوها وبنوا بجانب المسجد معهد سموه بمعهد الجند سنة 1981م وذلك من أجل القضاء على حلقات الذكر والعلم التي كانت تقام في المسجد وكذلك كي يحولوا بين الزائرين وبين المسجد وحتى لا تقام فيه مناسبة جمعة رجب وقد حدثت صراعات كثيرة بينهم وبين الصوفية الشافعية.
* محافظة إب :
كانت مدينة العدين معقلا للصوفية والشافعية وفيها آثار تأريخية وقباب قديمة استهدفها الوهابيون ببناء الكثير من المعاهد الوهابية واختاروا المناطق التي فيها زوايا الصوفية فمن هذه المعاهد التي بنوها هناك معهد السارة في منطقة الإيوان بني على ناحية مذيخرة ومعهد ذي النورين ومعهد الجرف وكلاهما في الجعاشن وهدفهم من إنشائها محاربة الصوفية والزوايا التي كانت منتشرة هناك لبني الأهدل وبيت علوي وسادة الجعدي وسادة بني المغاربة, واستهدفوا – أيضاً – مدينة العلم والعلماء جبلة التي كانت قبلة لعلماء الزيدية والشافعية استهدفوها ببعض المعاهد منها معهد في الربادي – جبلة ومعهد بن عقيل وغيرها – وذلك من أجل إثارة الفتنة والقضاء على المذهبية – على حد زعمهم – وكذلك ليحولوا بين الزائرين وبين مقام السيدة أروى ومسجدها التأريخي.
واستهدفوا – أيضاً – مديرية ذي السفال التي كانت في فترة من الزمن حاضرة الفقهاء والعلماء كما في كتاب السلوك للجندي استهدفوها وما جاورها من المناطق بمعاهد كثيرة أهمها :
– معهد عمر بن عبدالعزيز في القاعدة ، مديرية ذي السفال
– معهد خالد بن الوليد – السياني
– معهد عمار بن ياسر – السياني وغيرها من المعاهد
وهكذا استهدفوا جميع مديريات محافظة إب بالمعاهد التي لو ذكرناها لطال بنا المقام .
* محافظة ريمة :
إن الخلفية الثقافية للمجتمع في ريمة قبل الثمانينات كانت ثقافة صوفية وفيها أضرحة وقباب الأولياء والصالحين ولهذا تم استهدافها ببناء المدارس والمعاهد الوهابية ومن أهمها :
– معهد دار القرآن في عزلة مسور مديرية مزهر و هو أبرز المعاهد في ريمة.
– معهد محفل عزلة محفل مديرية كسمه سابقاً ثم تم ضم عزلة محفل إلى مديرية مزهر بعد اعتماد ريمة محافظة.
– معهد عبدالله بن مسعود في عزلة بني منصور مديرية كسمة .
– معهد الفاتحين في عزلة بني أحمد مديرية لجعفرية .
– معهد الصديق – الرباط – مديرية الجبين وغيرها من المعاهد وهي كثيرة .
وهناك معاهد كثيرة في بقية المحافظات ولولا خشية الإطالة لذكرناها وما ذكرناه عبارة عن نماذج فقط .
* منهجية المعاهد العلمية وانشطتها :
إن هذه المعاهد كانت تتبع ما يسمى بالهيئة العامة للمعاهد حيث كانت لها ميزانيات خاصة و منهجها في المرحلة الاولى منهج وهابي سعودي ولا يتبع وزارة التربية والتعليم ثم بعد أن استولوا على وزارة التربية والتعليم اصبحت معظم المدارس الحكومية تحت نظرهم وقد أعدوا منهجا وهابيا للطلاب في كافة المستويات التعليمية.
وكانت منهجيتها مشبعة بفكر ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب فالتوحيد الذي يدرسونه يقسمونه الى عدة اقسام ويؤدي هذا التقسيم الى تكفير غيرهم من المذاهب الذين يعدون – بحسب منهجهم الوهابي – موحدين توحيد ربوبية فقط وليس توحيد ألوهية فهم متساوون مع المشركين في توحيد الربوبية لاعتقادهم بأن الله هو الرازق والخالق و…. الخ
لكنهم غير موحدين توحيد إلوهية فهم مثل المشركين لأن المشركين اتخذوا مع الله آلهة أخرى وكذلك الصوفية والشافعية اتهموهم بانهم اتخذوا الأولياء آلهة من دون الله وانهم قبوريون ووثنيون كما انهم اتهموا الزيدية انهم روافض ومجوس وهكذا أصبح غيرهم بنظرهم مشركين يجب محاربتهم وتحل دماؤهم, ولهذا كان طلاب هذه المراكز يخرجون بين كل فترة وأخرى لتحريص الناس في القرى والمدن حتى غيروا عقول الكثير منهم وكانت هناك نتائج سيئة وكارثية كما ستعلمها في الآثار والنتائج وكانت – أيضاً – هذه المراكز تخرّج المقاتلين وتصدرهم إلى افغانستان حيث كان من انشطتهم التدريبات الرياضية والعسكريةً وإذا سئلوا عن ذلك أجابوا : ” المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف “,وكانت هذه المراكز تقوم بتخريج دعاة يوزعون لاستهداف المجتمع عبر حلقات في المساجد أو في المجالس أو في خطب الجمعة .
# الجامعات :
قاموا بإنشاء الجامعات ذات الطابع الوهابي تحت مسميات سواء ذات التسميات الدينية كجامعة الإيمان وجامعة القرآن الكريم أو الجامعات الخاصة التي يتم استغلالها بشكل كبير في تجنيد الشباب لخدمة هذا الفكر .
# إنشاء الجمعيات الخيرية :
حيث أنشأوا الكثير من الجمعيات ومن اشهرها جمعية الحكمة اليمانية وجمعية الإحسان وكان لهذه الجمعيات الدور الأكبر في تفريخ المراكز الوهابية وتوسع انتشارها في مناطق مختلفة من البلاد. إضافة إلى أنها تقوم ببناء الكثير من المساجد والمكتبات ودور تحفيظ القران وأكثر هذه المراكز تم انشاؤها في التسعينات منها على سبيل المثال في تعز :
– مركز المنار للعلوم الشرعية .
– مركز تعز للعلوم الشرعية .
– مركز الشافعي الشرعي وً سموه بهذا الاسم كي يستهدفوا قلوب الشوافع عبر تدريس بعض فقه الشافعي مع أنهم يكفرون الشافعي نفسه .
– مركز دار القرآن .
– مركز التقوى النسائي .
وغيرها من المراكز التي تشرف عليها وتقوم بتمويلها الجمعيات الخيرية خاصة جمعية الإحسان الخيرية أو جمعية الحكمة اليمانية وغيرهما ولهذه الجمعيات تمويلات هائلة تأتيها من السعودية ومن الخليج ومن أماكن خارجية لا تعلم مصدرها .
# المساجد :
تم بناء الآلاف من المساجد عبر وكلاء سعوديين في اليمن وعبر جمعيات وعبر تجار يمنيين من الذين عادوا من السعودية وكانت هذه المساجد خارجة عن نظر وزارة الأوقاف هذا في البداية وبعدها تمكنوا من الاستيلاء على وزارة الأوقاف حتى صارت معظم المساجد تحت نظرهم وإن المؤامرة الكبرى على الهوية اليمنية الايمانية بدأت تنطلق من هذه المعاهد والمساجد وبطريقة متقنة وتعبئة مدروسة وبنشاط كبير لدرجة أنه كان يخيل للمستمع أنه في مساجد نجد والرياض وليس في مساجد يمن الايمان.. حيث استطاع الوهابيون أن يضربوا الهوية اليمنية بكافة شرائحها ومكوناتها، مستغلين بذلك عاطفة الشعب اليمني كونه يتأثر برجال الدين ولهذا بثوا سمومهم ودججوا المجتمع اليمني بثقافات مغلوطة منحرفة وشحنوهم بالطائفية والفتن المذهبية والمناطقية فقد كانوا يكفرون مخالفيهم من المنابر ويقولون بأن الشيعة مجوس وانهم أخطر من إسرائيل هذا في التسعينات وأما ما بعد التسعينات فقد كانوا يخطبون في منابرهم ويقولون بأن الحوثيين أخطر من اليهود ويؤكدون ذلك بأيمانهم الكاذبة وأما تحذيرهم الناس من الصوفية فحدث ولا حرج فقد حرضوا الناس على تكفير الصوفية وسموهم بأنهم قبوريون يعبدون الأولياء وأن الموالد وإقامة المناسبات الدينية من البدع المنكرة والشركيات ثم شنوا حملاتهم التشويهية على عدة مناسبات دينية مثل ذكرى يوم الغدير وقالوا بأنها مناسبة شيعية يختلط فيها الرجال مع النساء وكل رجل يأخذ إمرأة الآخر… وهكذا ظلوا عقودا من الزمن يشحنون قلوب الناس بالعداوة والبغضاء ضد غيرهم من اخوانهم من الصوفية والشافعية والزيدية حتى وصلوا بالناس الى حمل السلاح بل وان اتباعهم اصبحوا اعوانا للغزاة المعتدين على بلد الايمان .
آثار ونتائج الاستهداف الوهابي للهوية اليمنية :
كانت لتلك الخطوات التي قام بها الوهابية في استهداف الهوية اليمنية آثاراً سيئة ونتائج مدمرة نجملها في الآتي :
1- تمزيق النسيج الإجتماعي لليمنيين حيث ظهرت الطائفية والمناطقية وانتشرت ثقافة الكراهية وظهرت عداوات تحت مسمى ديني.
2 – تدمير ونسف القباب الأثرية والأضرحة التي تضم الرموز الدينية والتي لأصحابها المحبة الكبيرة لدى اليمنيين .
3 – أعمال الذبح والسحل التي حدثت في تعز وفي عدن ومحافظات آخرى من قبل دواعش الوهابية لمن خالفهم في الفكر حيث ذبحوا الكثير من مخالفيهم بل وسحلوا جثثهم ناهيك عن احراقهم للمنازل ورمي الجثث من أعالي أسقف البيوت .
4 – الاستيلاء على التعليم والذي أثروا فيه على عقول كثير من الطلاب وغسلوا أدمغتهم بالفكر الوهابي
5 – فصل اليمنيين عن تراثهم الفكري والإيماني حيث جعلوا من علماء اليمن السابقين محلاً للطعن وشككوا في عقيدتهم واستبدلوهم برموز نجدية وهابية .
6 – ظهور التطرف الديني والتعصب الطائفي في أوساط اليمانيين بسبب الشحن الذي اعتمدته مدارس التكفير الوهابي .
7 – تغييب الولاء الوطني لدى اتباعهم من اليمنيين فأصبح ولاؤهم لمشيخات نجد وأنظمة النفط وليس لوطنهم يمن الإيمان .
8 – حرف مسار أمة الإيمان عن عدوهم التأريخي وهم اليهود حيث استبدل الوهابية عدواً آخر هو الشيعة بحسب زعمهم .
9 – حالات الارتزاق حيث كان للفكر التكفيري دور رئيسي في إعداد وبرمجة الشباب لكل المعارك التي يحددها الأمريكان بدءاً من أفغانستان ومروراً بسوريا والعراق وانتهاءً بدورهم في القتال مع دول العدوان على بلدنا بمال سعودي ودعم أمريكي صهيوني وتخطيط بريطاني وبدوا فيها كأسوأ مرتزقة في التأريخ .
10 – ظهور ما تسمى بالفئة الصامتة والمحايدة وتستند في معظم مبرراتها إلى ما بثه الفكر الوهابي .
11 – فصل الأمة عن الثقلين كتاب الله وأهل البيت – عليهم السلام – واستبدالهما بعناوين ورموز أخرى وكانت من أهم اسباب انحرافهم بأتباعهم .
…….الهامش…
(1) ” سُبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد “[427] للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي. وقد عزى محققا الكتاب الرواية إلى المصادر الآتية : ” صحيح البخاري ” برقم (4349)- كتاب المغازي -[663/7] ، وسنن البيهقي[366/2] ، ودلائل البيهقي[369/5] .
(2) ” الطبقات الكبرى ” لابن سعد [341/1] ، و” سُل الهدى والرشاد..” للصالحي الشامي وعزى محققا الكتاب الرواية إلى المصادر الآتية : “طبقات ابن سعد”[74/2/1] ، وابن عساكر في ” تهذيب تأريخ دمشق “[440/4] ، والمتقي الهندي في ” كنز العمال (34030) .
(3)” وقعة صفين ” ابن مزاحم المنقري ص 437 .
(4)المرجع السابق .
المصدر: العلّامة عدنان الجنيد