تعليق «حزب الله» الرسمي والمباشر على اطلالة البطريرك الماروني الكاردينال ما بشارة بطرس الراعي الاخيرة جاءت على لسان النائب حسن فضل الله الذي انتقدها بإسهاب، إلا انه «لم يكسر الجرّة» وفق المتابعين، بحيث أنه نفى ما قاله الراعي حول «الحوار المقطوع» مع الحزب منذ زيارته القدس، فأكد فضل الله انّ التواصل مستمر ولم ينقطع مع بكركي، كاشفاً أنّ المولجين بالحوار القائم بين الجانبين هما الأمير حارث شهاب وعضو المكتب السياسي للحزب محمد الخنسا، ومؤكداً تواصلهما قبل يومين فقط من اطلالة الراعي. الأمر الذي أكده شهاب لـ»الجمهورية» لافتاً الى أن التواصل كان تحديداً في الليلة التي سبقت اطلالة البطريرك، وكشف انّ الرد على هذه المبادرة (اي الاتصال) ينتظر جواب الراعي بمعنى انّ الكرة هي الآن في ملعب بكركي تحديداً وليست في ملعب الحزب، حسب افتراض البعض بعد كلمة الراعي الاخيرة.
وعن الحوار القائم بين الحزب وبكركي لفت شهاب الى أنه «بدأ منذ الحوار الاسلامي – المسيحي، أي منذ 25 سنة، إلا أنه لم يكن بالوتيرة نفسها»، لافتاً الى «انّ الحوار كان يتسارع حيناً ويتراجع احياناً اخرى بحسب التطورات السياسية»، وكاشفاً ان «عدم التجاوب» كان السبب الأكبر لتراجع وتيرته.
ما بعد الخطاب
وفي السياق، كشف شهاب لـ»الجمهورية» أنه وبعد خطاب البطريرك لم يحصل أي تواصل بين بكركي والحزب عدا «الاتصال الذي تلقاه من احد المسؤولين المكلفين من قيادة الحزب متابعة موضوع الحوار»، اي محمد الخنسا، الذي ابلغ اليه أنّ الحزب منفتح على الحوار مع بكركي ومستعد له وأنه ينتظر جواباً من الراعي.
وكشف شهاب أنه بعد الراعي لم يتواصل شخصياً مع احد، لافتاً الى أنه مكلف مهمة منذ 25 سنة وهو مستمر فيها بتوجيه من البطريرك الراعي وأنه لا يجري اجتهادات شخصية في هذا الملف. ويرى ان «حزب الله» بادرَ واتصل، وان الكرة اليوم هي في ملعب بكركي في انتظار ان تقوم بالخطوة التالية، بمعنى آخر انه من المفترض ببكركي ان تبادر وتجيب على فحوى الاتصال الذي تلقّاه عشية خطاب البطريرك، لأن المبادرة في حدّ ذاتها قد اتخذت في رأيه في الاساس، اي عندما بدأ الحوار منذ زمن واستُقبل بالاستمرارية.
وعن نسبة التجاوب، يقول شهاب: «الآن يجب ان نرى جدّية الاستعدادات لهذا الحوار ولطروحات بكركي، لأنّ الحوار من اجل الحوار لم يعد يفي بالغرض، ولم يكن يوماً الحوار من اجل الحوار بين الحزب وبكركي بل كان الهدف منه مواجهة المشكلات المشتركة بسعي مشترك لإيجاد حلول لها، والحلول في نظره هي ان نُظَهّر انّ لبنان قادر على اجتراح الحلول وايقاف هجرة طاقاته، وتأمين مستقبل لأصحابها في بلد راقٍ يحلو لهم العيش فيه».
واضاف شهاب: العالم ينفتح بعضه على بعض يومياً، وكورونا ستغادر يوماً ما والحقائق الثابتة في الحياة لا بد ان تعود. والحقائق الثابتة في لبنان يجب الرجوع اليها، مكرراً: «الحزب اخذ مبادرة ونحن يجب علينا البحث الى اين تؤدي هذه المبادرة وأبعادها والبحث في محتواها واذا كانت فقط للمجاملة فهي لم تعد تنفع، خصوصاً أننا تناقشنا سابقاً في امور مشتركة وكانت ايجابية وطُرحت وجهات النظر مباشرة ومن دون مجاملة، بل بكل صراحة وأبدى كل طرف رأيه للآخر بكل تجرّد». وأضاف: «الآن، ولكي نستطيع ان ننقل لهم جواباً على مبادرتهم يجب ان نحمل لهم شيئاً في المقابل». وهذا الامر ينتظر جواب بكركي بحسب ما كشف شهاب الذي سيزور الراعي خلال اليومين المقبلين لاستمزاجه الرأي في أجواء هذه المبادرة ومضمونها، مضيفاً أنه سيستطلع رأي البطريرك وسيتقيّد بتوجيهاته، وسينقل هذا الرأي للطرف الآخر.
أمّا بالنسبة الى خطاب الراعي الاخير الذي لاقى انتقادات داخلية وخارجية، فلفت شهاب الى أنّ هذا الخطاب «لم يكن جواباً على مبادرة الحزب قبل يوم من خطابه، أي لم يكن جواباً على مضمون الاتصال».
تراجع للمبادرة؟
وعن امكانية تراجع المبادرة متأثرة بالخطاب البطريركي قال شهاب: ولا مرة في لبنان وُجد حلّ لأي معضلة اساسية على يد فريق واحد إذ لا يمكن لأي فريق ان يتفرد او يفرض رأيه على الجميع حتى قسراً، فالحلول التي تأتي بلا اقتناع مشترك هي حلول قصيرة الأمد ولا تورث إلّا مشكلات». ولفت الى «أننا نريد ان نجد حلاً لبنانياً نابعاً من الأقتناعات المشتركة المنطلقة من ثوابت لبنان التي اختصرها بأنها واحة حرية وحوار»…
وقيل لشهاب: في حال فشلت المهمة ماذا سيكون الموقف؟ فرد قائلاً: «نحن علينا ان نشهد. فلبنان لم يوجد في الاساس الّا بسبب واحة حيادية بين النزاعات العاصفة في المنطقة ولم تكن له قيامة إلا عندما وقف على الحياد وليس بين الحق والباطل، فالدول لديها مصالح كبرى ومصلحة لبنان الأساسية ان يكون متفاهماً مع الشريك الذي بنى معه الوطن».
اما الثوابت فهي بنظره «الشراكة المسيحية ـ الاسلامية «ولا يمكن لبنان، الذي قال عنه يوماً القديس بولس الثاني انه رسالة، إلا ان يكون رسالة عيش مشترك»، مذكّراً «أنّ العالم مقسوم اليوم بغالبيته الساحقة بين المسلمين والمسيحيين، فإذا اختلفوا اين يصبح العالم؟».
وكشف شهاب عن تجربته الشخصية منذ 25 عاما بالقول انه «عند طرح موضوع الحياد مع الحزب في جلسة مشتركة، وجدنا انّ الحزب كوّن فكرة مغايرة عن الحياد الذي قصده الراعي، فاعتقدوا اننا نريد إدخالهم ضمن الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الى حين اكتشافهم بأنفسهم انّ البطريرك لم يتكلم بهذا الفصل السابع، بمعنى آخر انّ الامور لم تكن واضحة بالنسبة اليهم. ولذلك، فإنّ الامور دائماً في حاجة الى توضيح، فالديبلوماسية جيدة انما المصارحة أصدق، فصديقك هو مَن صارحك وصَدَقك لا من صدّقك. فالبطريرك طرح الامور بمحبة وبصراحة، لأن المشكلة كانت في حاجة الى صراحة وتوضيح».
وفي انتظار السعي المشترك بين الحزب وبكركي، أكد شهاب «انّ الأهم هو استمرار السعي، أما التجاوب فهو ليس متعلقاً بنا لأنّ مسعانا واضح لا لبس فيه ولا نيات مبيّتة، ولغة البطريرك الراعي كانت واضحة وأعطى لمفرداته معناها الصحيح». وتمنّى على المعنيين تَلقّف طروحات البطريرك «لأنها تمثّل خريطة الخلاص».