فقد الرئيس سعد الحريري صوابَه بعدما انكشف أمام الجميع بأنه غير قادِر على تأليف حكومة من دون موافقة السعودية. فردّ ببيان اشتباك طاول حتى حزب الله، بينما لا تزال باريس مصدومة من رفضه مبادرة الرئيس ميشال عون
اتصال الفرنسيين أزعج الحريري، فتواصل مع إبراهيم معبّراً عن استياء شديد، إذ اعتبر بأن هناك من يتدخّل لدى الفرنسيين للضغط عليه. وليس ذلك وحسب، فمن بين «مواويل» الحريري لنسف أي جهود، أنه رداً على موقف الوزير باسيل عدم المشاركة في الحكومة أو إعطائها الثقة، قال الرئيس المكلّف إن «عدم مشاركة التيار الوطني الحر في الحكومة يعني أن رئيس الجمهورية لا يحقّ له الحصول على خمسة وزراء، إضافة إلى وزير الطاشناق، وأنه سبق أن وافق على هذا العدد على اعتبار أنهم وزراء يمثّلون الرئيس والتيار معاً، أما وقد رفض باسيل المشاركة في الحكومة، فهذا يعني أن حصة الرئيس عون ستكون أقل».
قبل فترة، أجاب أحد المقرّبين من الحريري عن سؤال عن قرب التأليف فأجاب: «انسَ… الآن ما في حكومة». ولعلّ كلامه لا يرتبِط بالعراقيل الداخلية من حصص وأسماء وحقائب، بقدر ما هو تعبير عن عجز الحريري الذي أقرّ سابقاً أمام من تحدثوا إليه «بصعوبة تجاوز السعوديين» (راجع «الأخبار»، 19 شباط 2021). وإلى أن تحدّد المملكة «الموعِد المنتظر» سيخترع الحريري المعضلة تلو الأخرى ويحتجِز التشكيل في جيبه، كما أشار مكتب باسيل في بيان له أمس.
وبينما جزمت مصادر قريبة من الجوّ السعودي منذُ أسابيع بأن «زيارة الحريري للمملكة أكيدة، وربما قريبة جداً»، غادر الرجل إلى الإمارات في زيارة هي الثالثة له منذ تكليفه، من دون أن يظهر بعد ما إذا كانت هناك نتيجة سياسية لهذه الزيارات، بما أنه يعوّل على الإماراتيين والفرنسيين لتمهيد الطريق له، فيما اقتصرت المكاسب منها على بعض اللقاحات ضدّ كورونا أعطيت للحريري على دفعتين، وجرى توزيعها على المقربين منه، ومشروع مستشفى ميداني وعدت الإمارات بتقديمه للمساعدة في مواجهة الجائحة ليس إلا.
إلا أن الكلام الذي صدر عن الحريري أمس رداً على ما كُتِب، كان لافتاً لجهة أنه للمرة الأولى منذُ تكليفه يفتح الهجوم باتجاه حزب الله، الذي «ينتظر قراره من إيران، فيما لا ننتظر رضى أيّ طرف خارجي لتشكيل الحكومة»، على حدّ قول الحريري. هذا الكلام جاء تعليقاً على ما قاله نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مقابلته على قناة «الميادين» أول من أمس بأن «المطلوب سعودياً لا يتحمّله الحريري وهو مواجهة حزب الله». وبينما رأى البعض موقف الحريري «طبيعياً» لأن عقدة الأسماء الشيعية في الحكومة لم تُحلّ بعد، إلا أن مشكلة الحريري ــــ باسيل طغت عليها، قال آخرون إنه بيان «مواجهة» قد يكون إما رسالة إلى المملكة أو استباقاً لزيارة قريبة جداً!
لكن هل بإمكان السعوديين الذين يستولي عليهم شعور القلق من سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وخاصة بعد الكشف عن تقرير جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي أن يُخصّصوا وقتاً للحريري ما داموا غير متأكدين من قدرته على تزعّم مشروع مواجهة حزب الله؟
بكل الأحوال، وضع الحريري نفسه في موقف محرج، ولا سيما مع طرف أساسي تمسّك بتكليفه، أي حزب الله. وإذا لم تأتِ زيارة الرياض، فقد يُصبِح الرئيس المكلف أضعف من أي وقت مضى. فلا هو قادر على زيارة الولايات المتحدة الأميركية التي تتجاهل إدارتها تحديد موعد له، ولا مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان أمّن له المواعيد لزيارة موسكو. وبين انشغال الخارج عنه والاستياء الداخلي منه، هل يُدفع الحريري الى الاعتذار؟ المعلومات المؤكدة إلى الآن هي أن الفرنسيين أجروا اتصالات يوم أمس بعدد من القوى، من بينهم عون وياسيل والحريري وجنبلاط، وعبّروا عن استغراب كبير وغضب من تعامل القوى السياسية مع ملف الحكومة، فيما البلد ذاهب الى الانفجار، بينما أكدت مصادر مطّلعة أن «باريس لم تُصدق ما فعله الحريري، وأنه هرب من التشكيل رغم تراجع الرئيس عون»!