الأخبار- رحيل دندش
بعدما شحّت مواردها بسبب الوضع الاقتصادي، وما تبعه من تراجع الجباية وتأخر دفع مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل، بدأت بلديات كثيرة، أخيراً، بمطالبة المكلفين ضمن نطاقها بدفع الرسوم البلدية، وتحديداً الرسوم السنوية على القيمة التأجيرية. ولجأ بعضها إلى إجراءات صارمة كالحجز على مؤسسات، والامتناع عن منح أي شارِ لعقار «إفادة محتويات» أو «إشغال» قبل دفع المتوجّبات البلدية.
تسبّب ذلك في نزاعات عدة بين بعض البلديات ومشتري العقارات حول من يتحمّل الرسوم البلدية المتراكمة (تصل إلى ملايين الليرات) على هذه العقارات: الشاري أم المالك القديم؟
في سبب هذه النزاعات، فتّش عن فؤاد السنيورة! إذ تعود هذه المشكلة إلى عام 1998 عندما علّق الأخير، وكان وزيراً للمال آنذاك، نصّ المادة 133 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية رقم 60/88 التي كانت تحظّر على الدوائر العقارية إجراء معاملة انتقال أو إفراز أو تأمين على عقار قبل أن يثبت صاحبه أنه سدّد كامل الرسوم المتوجبة على العقار، ومن ضمنها الرسوم على القيمة التأجيرية للبلديات، واستبدلها بالمادة 26 من قانون موازنة عام 1998. هكذا، لم يعد ملزماً ضمّ براءة ذمة بلدية في المعاملات العقارية في البيوعات تثبت أن المكلف سدّد كامل الرسوم لتاريخ إصدارها.
وتحدّد معدلات الرسم على القيمة التأجيرية كالآتي: 6.5 في المئة للأماكن السكنية، و8.5 في المئة لغير السكن (تجارة، مكاتب…) متضمّنة رسم صيانة مجارير وأرصفة يستوفى سنوياً.
هذا الإجراء تسبّب بحرمان البلديات من مورد مالي مباشر ومنتظم يعزّز إيراداتها السنوية. و«لأن الواقع البلدي بات حرجاً ويفترض إعادة النظر في الأسباب التي أدت إلى إلغاء المادة 133»، يلفت رئيس بلدية الغبيري معن الخليل الى «أنني بصفتي نائب رئيس لجنة رؤساء البلديات اللبنانية، وبعد التداول مع البلديات كافة، سأتقدم باقتراح إلى مجلس النواب لإعادة العمل بهذه المادة». الاقتراح يأتي «بعدما تبيّن الدور المتقدم للبلديات في تنفيذ سياسات الدولة وتوجّهاتها التنموية والخدماتية، وتحمّلها أعباء مواجهة أحداث أثقلت البلاد بتداعياتها، ما يتطلب تعزيز مواردها لجعلها أكثر قدرة على مواجهة هذه الأعباء».
قانون موازنة 1998 علّق مفعول المادة 133 إلا أنه لم يلغها تماماً، وبقيت الرسوم معلّقة إلى حين الاستحقاق، وهي لا تظهر إلا عندما يتقدم المالك الجديد للعقار بتصريح بالشراء أو يطلب من البلدية «إفادة إشغال» أو «إفادة محتويات» التي تشترط وزارة المالية على المشتري الحصول عليها لتسجيل عقد البيع. هنا يبيّن الكشف البلدي أن على العقار رسوماً متراكمة، فتمتنع البلديات عن إعطاء المستندات المطلوبة قبل تسديد المتوجّبات، ويبرز النزاع مع المالك الجديد الذي لا يكون على علم بالرسوم المتراكمة المتوجبة على المالك القديم، لأنه ليس من شروط عقود البيع ضمّ براءة الذمة البلدية إلى المستندات الأخرى، و«هذه النسبة من المالكين الجدد كبيرة جداً في البلديات كافة، طالما أن القانون لا يلزم بنيل براءة الذمة البلدية»، بحسب الخليل.
وفي كثير من الأحيان تقع المسؤولية على الكاتب العدل لدى إتمام عقد البيع لعدم الإيضاح الكافي للشاري إلزام البائع بالاستحصال على إفادة بتسديد الرسوم البلدية، «وهو ما قد يحصل عمداً». إذ يتضمّن العقد الذي لا يقرأه الشاري بتمعّن نصاً يحمّله دفع كلّ الضرائب والرسوم المالية والبلدية.
أين دور البلديات في مثل هذه الحال؟
يلفت الخليل إلى أنه «ليس سهلاً على البلديات ملاحقة الشاغل القديم لأسباب كثيرة (سفر، وفاة…)»، وهكذا «يعلق» المشتري ويضطر إلى دفع الرسوم المتراكمة. و«كل ما يمكن للبلدية فعله هو تقسيط الرسوم». تبقى نصيحة الخليل، إلى حين العودة للعمل بالقانون، «أن لا يشتري أحد أي عقار إلا بعد إبراز براءة الذمة المالية أو إفادة بتسديد الرسوم البلدية كي لا يتورّط هو بتسديدها».