الحدث

واشنطن تتخلّى عن سلامة؟

(هيثم الموسوي)

 

الأخبار

بعد الصفعة المدوّية التي تلقّاها من النيابة العامة الاتحادية في سويسرا التي صنّفته مشتبهاً فيه بقضايا اختلاس أموال من مصرف لبنان وتبييضها في مصارف عالمية، هل ستكون الضربة القاضية على رياض سلامة أميركية؟ حاكم مصرف لبنان لطالما كان رجل الولايات المتحدة الأميركية الأول في لبنان. هو الثابت بين كثير من المتغيّرين. وهو عين واشنطن الساهرة على القطاع المصرفي اللبناني. تتدخّل السفارة الأميركية لحمايته، وتهديد مسؤولين رسميين في حال فكّروا بأيّ مسّ به، وتحريض مراجع دينية وسياسية للدفاع عنه. ومن دون حياء، كان مسؤولون أميركيون يقولون لوزراء لبنانيين إن سلامة يتبادل معهم المعلومات، فضلاً عن حرصه الدائم على «الامتثال» لما تطلبه واشنطن، وأحياناً كثيرة الامتثال بأكثر مما تريد. رغم ذلك، كشفت وكالة «بلومبرغ» أمس عن أن واشنطن تدرس إمكان إصدار عقوبات بحق رياض سلامة. فهل سقطت ورقته في واشنطن، بعدما سقط القطاع المصرفي اللبناني برمّته، ولم يعد في الإمكان إنقاذه بسهولة واستخدامه لتنفيذ السياسات الأميركية في لبنان في المدى المنظور؟

الحصار يشتدّ على رياض سلامة. بعد سويسرا والتحقيق المستمر بشأن تورّطه بغسيل أموال واختلاس محتمل، تتجه الولايات المتحدة الأميركية لإطلاق رصاصة الرحمة على حاكم المصرف المركزي اللبناني. وكالة «بلومبرغ» أفادت أمس بأن واشنطن تدرس فرض عقوبات على سلامة. و«نقلاً عن أربعة أشخاص مطّلعين على الأمر»، أشارت الوكالة إلى أن مسؤولين داخل إدارة الرئيس جو بايدن ناقشوا إمكانية اتخاذ إجراءات منسّقة مع نظرائهم الأوروبيين تستهدف رأس السلطة النقدية في لبنان. ونقلت الوكالة عن مصادرها أن «المناقشة ركّزت حتى الآن على إمكانية تجميد أصول سلامة في الخارج واتخاذ إجراءات من شأنها أن تحدّ من قدرته على القيام بأعمال تجارية في الخارج». وأوضحت أن المداولات جارية وقد لا يكون القرار نهائياً بشأن اتخاذ إجراء وشيك.
ووفق المصادر، طُرح خيار معاقبة سلامة العام الماضي، لكن الرئيس السابق دونالد ترامب لم يكن مهتماً باتخاذ إجراء مماثل حينها. وفي سياق متصل، قال الأشخاص الأربعة لوكالة «بلومبرغ» إن التحقيق السويسري يشمل أيضاً سلطات قضائية أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا، حيث تراجع السلطات روابط سلامة بالعقارات والشركات الوهمية والتحويلات المصرفية الخارجية.
وفيما أكدت مصادر حكومية مسؤولة أن المعنيين في لبنان لم يتبلّغوا أي شيء من هذا القبيل، ضجّت الساحة السياسية أمس بالخبر وتداعياته المحتملة. وما بدا مفاجئاً بالنسبة إلى كثر أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا لم تتوقف عن دعم سلامة في لقاءاتها حتى أول من أمس، علماً بأن مصادر وزارة المالية نفت أن تكون شيا قد أبلغت الوزير غازي وزني أي قرار بشأن العقوبات في لقائها معه قبل يومين. لكن مصادر مطلعة رأت أنه إذا صح الخبر وفرضت أميركا عقوبات على سلامة، فإنه لن يكون بمقدوره البقاء يوماً واحداً في منصبه، بسبب تداعيات ذلك على العمل المصرفي والعلاقة مع المصارف الخارجية. عدا عن الأسباب الشخصية، التي تحتّم التزام سلامة، الذي لطالما كان خادماً أميناً لأميركا في لبنان، بقرار استبعاده.أما مبررات القرار الأميركي، فمرتبطة بسلوك الإدارة الأميركية الجديدة، المعتمد على سياسة ثنائية الأبعاد: الحفاظ على مصالح أميركا في العالم من جهة، و«عدم إعطاء شركائنا الذين يتبعون سياسات تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية» فرصة الاستمرار بأدائهم السابق، من جهة أخرى. وهي بهدف تسويق صورتها الجديدة، مستعدّة لإطاحة الشركاء والعملاء، متى شعرت بأنهم يضرّون بهذه الصورة، ومتى توقفوا عن خدمة المصالح الأميركية. وفي لبنان، القطاع المصرفي الذي كان أحد الأعمدة التي ترتكز عليها السياسة الأميركية، بات بحكم المنهار والمفلس. وكما قررت الإعلان عن تخلّيها عن دعم السعودية على اليمن بحجّة هذه القيم (من دون أن تتوقف عن إدارة الحرب، إما مباشرة، أو عبر تسليم «الأعمال القذرة» إلى حليفتها بريطانيا)، لن يكون صعباً التخلي عن رياض سلامة المتّهم بقضايا فساد وسوء إدارة، والذي تحوّل أصلاً إلى ورقة محروقة في زمن الانهيار.
مصادر مطّلعة قالت لـ«الأخبار» إن دوائر لبنانية رسمية صرحت بأنها كانت قد تبلّغت، قبل أيام، أن الحكومتين الأميركية والبريطانية تتابعان من خلال إدارات خاصة الملف المالي والنقدي في لبنان، ودور مصرف لبنان ودور الحاكم رياض سلامة على وجه التحديد.
وأشارت المصادر الى أن الأميركيين يهتمون بأمور غير تلك التي يهتم بها البريطانيون، وأن لندن قبلت التعاون مع السلطات في سويسرا من أجل متابعة حركة أموال تخصّ سلامة وأفراداً من عائلته ومقرّبين منه على مدى ثماني سنوات خلت، بالإضافة الى السجل العقاري لكل أفراد عائلته والمقرّبين منه، وأن فرنسا تقوم بالأمر نفسه. وأوضحت أن الطلب الذي تلقّاه لبنان من السلطات القضائية السويسرية أرسِل أيضاً الى فرنسا وبريطانيا ودول أخرى في سياق «التحقيق في شبهة اختلاس أموال من مصرف لبنان وتبييضها في القطاعات المصرفية» لتلك الدول.
وقالت المصادر إنه يجب التمييز بين التصرّف الأميركي والتصرف الأوروبي، لأن واشنطن تدرس الأمر من زاوية مختلفة. ولفتت إلى أن الإدارة الجديدة في واشنطن أعادت درس الملفات التي سبق أن أعدّت حول لبنان، وطلبت «عدم التمييز» بين المشكوك في أمرهم، علماً بأن هذا الأمر يخالف طبيعة السياسة الأميركية التي تعتمد في الكثير من دول العالم على التحالف مع سارقين وفاسدين ومفسدين.
وأشارت المصادر الى أن الأميركيين يهتمّون خصوصاً بالتعميم الرقم 154 الذي أصدره مصرف لبنان، وخاصة لجهة إعادة جزء من الأموال المحوّلة إلى الخارج منذ عام 2017، وسبق أن سألوا رياض سلامة عن الآليات التي تتيح تنفيذه، وخصوصاً لجهة إقناع أصحاب مصارف ومساهمين كبار ومديرين تنفيذيين بإعادة 30 في المئة من أموالهم التي حُوِّلت الى الخارج. وقال زوار واشنطن إن الأميركيين استغربوا عدم تحرك هيئة التحقيق الخاصة منذ أيلول الماضي، أي بعد وقت قصير من صدور التعميم. وكشفت أن الأميركيين سبق أن طلبوا من سلامة تحريك هيئة التحقيق الخاصة، ولم يفعل ذلك إلا متأخراً. وحسب الزوار، فإن الأميركيين اهتموا أيضاً بملف استعادة الـ 15 في المئة من قبل جميع الذين حوّلوا أموالاً إلى الخارج في السنوات الماضية، وحتى بكيفية عمل المصارف لزيادة رساميلها بنسبة عشرين في المئة.
وقالت المصادر إن الجديد في ملف سلامة هو أن الأميركيين صاروا يسألون منذ فترة عنه وعن معاملاته وحتى عن مساعدين له، بمن فيهم ماريان الحويك، وأنهم سألوا مصرفيين لبنانيين كباراً عن موقفهم من سياسات الحاكم، وقد تلقّوا تقارير من مصارف صغيرة احتجّت على سلامة وعلى تمييزه بين البنوك في ملف الهندسات أو الدعم.
وحسب الزوار، فإن معلومات طرحت في المداولات الأميركية مع زوار واشنطن اللبنانيين، أشارت الى معرفة أميركية تفصيلية بكل التحويلات التي جرت قبل 17 تشرين الأول 2019 وبعده، وأنهم كانوا ينتظرون من سلامة العمل على وقفها أو السعي الى استرداد قسم منها.
من جهة ثانية، كشفت المصادر أن وزارتَي الخارجية والخزانة في أميركا استعانتا بفرق تحقيق خاصة تعمل في إطار التدقيق الجنائي، وطلبت منها العمل في أكثر من سبع دول عربية وأوروبية من أجل التثبت من العمليات المالية لعدد غير قليل من الشخصيات اللبنانية السياسية والأمنية والمصرفية ومن طبقة رجال الأعمال «المقرّبين من مرجعيات نافذة في الحكم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى