الوقت– أعادت “الهبة الإماراتية” الأخيرة للرئيس قيس سعيّد والمتمثلة بـ1000 جرعة من لقاح كورونا، الجدل حول “الهدايا الملغومة” التي قدمتها أبوظبي للسياسيين التونسيين على مدى السنوات الأخيرة، وهي تهدف وفق مراقبين إلى توتير الأجواء وإعادة خلط الأوراق داخل مشهد سياسي مضطرب وشديد الانقسام.
ورغم أن الرئاسة التونسية نفت حصول الرئيس سعيد وعائلة ومستشاريه على اللقاحات التي قدمتها السفارة الإماراتية، إلا أن إخفاء هذا الأمر من قبل الجانب التونسي لأكثر من أربعة أشهر، ومن ثم الإعلان عنه من قبل سفير الإمارات، يحمل نقاط استفهام عدة، وخاصة في ظل التجاذبات القائمة بين الرئيس قيس سعيّد من جهة ورئيسي البرلمان والحكومة من جهة أخرى.
وكان الرئيس سعيد فنّد الشائعات التي تحدثت عن استفادته وعائلته من “الهبة الإماراتية”، مشيرا إلى أن “اللقاح مازال محفوظا في المكان الذي يجب أن يحفظ فيه حتى تتولى الجهات المختصة إعطاء الإذن باستعماله”.
وأضاف، خلال لقائه رئيس المجلس الاعلى للقضاء يوسف بوزاخر، “كل ما استمعت له يندرج في إطار الأكاذيب المفضوحة، فعوضا عن الاهتمام بالأسعار والقضايا الحقيقية والتشغيل، يتم بث الأكاذيب والسموم التي لا ينفع معها كل العقاقير من أفضل المخابر ولن ينقع فيها إلا الثبات على الأخلاق والقيم والمبادئ”.
وقال السياسي والأكاديمي التونسي طارق الكحلاوي إن جوهرالقضية يتحدد في “جملة من الإشكالات الإجرائية على مستوى التسليم والسياق والتكتم على الخبر”. مضيفا إن هذه الهدية بلا معنى. ويبدو لي أن رئاسة الجمهورية تعاملت معها كسر من أسرار الدولة.
وقال “أعتقد بأن الأمر يتعلق بهدية إماراتية مسمومة. وما بدأ لي واضحا هو أن السفير الإماراتي هو الذي سرب المعلومة لعدد من الدبلوماسيين والسياسيين التونسين. ولست أدري لماذا اختار هذا التوقيت بالذات لتسريب هذه المعلومة”.
وقال وزيرالصحة التونسي السابق عبد اللطيف المكي، إن الهدية الإماراتية لتونس والمتعلقة بتقديم ألف جرعة من اللقاح “كان من المفترض أن تسلم لإدارة الصيدلة والدواء التابعة لوزراة الصحة من أجل الحصول على ترخيص استثنائي لاستعمال هذه الجرعات”.
وأضاف المسؤول التونسي السابق “مكمن الإشكال هو أنه لم يتم الإعلان عن هذه الجرعات بصورة فورية حتى كشف عنها الإعلام، وبعد ذلك تم الإقرار بها من قبل رئاسة الجمهورية”.
وكانت الرئاسة التونسية قد كشفت عن تلقيها 500 جرعة مزدوجة من لقاح مضاد لفيرس كورونا بمبادرة من دولة الإمارات.
وقال قيس سعيد الذي أكد وصول اللقاحات “إنه لم يتم تطعيم أي شخص في رئاسة الجمهورية، وإن ما قيل بأن هناك جرعات خاصة موجهة لرئاسة الجمهورية أو أن جهة معينة استفادت منها، أمر كذب من قبل أولئك الذين يروجون للكذب”.
وأضاف “لقد تم تسليم هذه الجرعات إلى الإدارة العامة للصحة العسكرية، بانتظار مزيد من التثبت في نجاعتها وترتيب أولويات الاستفادة منها”.
من ناحيته، أعلن رئيس الحكومة هشام مشيشي عن فتح تحقيق فوري بعد إعلان رئاسة الجمهورية عن تلقيها اللقاح الإماراتي من دون علم الحكومة بوصول تلك اللقاحات ولا مصدرها ولا عدم مطابقتها للشروط الصحية ولا حتى بآثارها.
أما البرلمان الذي يرأسه راشد الغنوشي فقد أصدر بيانًا جاء فيه “على إثر ما راج من شائعات بشأن تلقي رئيس مجلس نواب الشعب لقاحا مضادا لفيروس كورونا، فإنه يهم رئاسة المجلس أن تنفي نفيا قاطعا تلقيها أي نوع من اللقاحات من أي جهة كانت. كما تؤكد رئاسة المجلس التزامها بسياسة الدولة في إطار الاستراتجية المعتمدة والأولويات التي وضعتها الدولة لمنح اللقاحات”.
واعتبر النائب ياسين العياري أن الرئيس سعيّد “أخطأ خطأ جسيما عندما أخذ لقاحات دون أن يعلم مؤسسات الدولة التي هو رئيسها! لم يحترم القانون والإجراءات، وأخفى عن التوانسة أن عنده لقاحات لمدة 6 اشهر كاملة مات فيهم من مات بكوفيد 19، وعندما تم تفضح الأمر، أصدر الرئيس بيانا غير صحيح أضر بمصداقية الرئاسة داخليا وخارجيا”.
وأضاف على صفحته في موقع فيسبوك “قام سفير الإمارات بنصب كمين للرئيس حيث أهداه لقاحات، وقام بتسريب القصة، والهدف هو ضرب مصداقية الرئيس لفائدة عبير موسي (رئيس الحزب الدستوري الحر)، ليبقى لها السجل التجاري الحصري في مواجهة النهضة. الرئيس في عدم احترامه للشفافية والقانون ولشعبه، وقع في الفخ وأضر بمصداقيته كشخص ضررا من الصعب إصلاحه. الرئيس مطالب إذا بالاعتذار للتوانسة، والتعهد بإرساء قواعد الشفافية وعدم تجاوز مؤسسات الدولة مستقبلا”.
وتساءل الخبير الدستوري جوهر بن مبارك “لماذا ترسل الامارات 500 جرعة تلقيح؟ ما معنى هذا العدد؟ هل هي هدية للشعب التونسي الشقيق؟ ولماذا ترسلها الى رئيس الجمهورية؟ هل هي من اجله شخصيا او من معه من اعوان قصره، وهذا العدد لا يكفي حتى لتلقيح كامل اعوان الرئاسة؟ ثمّ لماذا بعد ان تكتّم عليها القصر، يخرج سفير الامارات ليسرّب الخبر قبل ان يجهر به؟ انّهم يتسرّبون في ثنايا جسدنا المنهك أصلا ويحقنون السمّ في العروق جرعة جرعة”.
يذكر الجدل الحالي بجدل مشابه أُثير منذ سنوات حول تلقي الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لـ”هبة إماراتية” تتمثل في سيارتين مصفحتين لحمايته خلال الحملة الانتقالية، والذي أكده مستشاره حينها، فيما أكد قيادي آخر في الحزب الحاكم (نداء تونس) تلقي قيادات لـ40 مليون دولار من الإمارات والسعودية، خلال فترة رئاسة السبسي.
وبين سيارة السبسي ولقاح سعيّد تختلف الرسائل التي تحملها “هدايا” أبوظبي إلى التونسيين، لكنها تتفق في جانب واحد على الأقل، هو الاستثمار في الفوضى وتعزيز الانقسام بين قادة تونس، وهذا ما قد يوفر بيئة خصبة لتعزيز نفوذ التيارات اليمينية المتشددة التي تدعمها الإمارات، وهو أمر تؤكده نتائج استطلاعات الرأي، رغم أن الأخيرة ما زالت مثار تشكيك لدى أغلب التونسيين.