ديانا غسطين-سفير الشمال
اهلاً بكم في ″جمهورية جهنم″ حيث يصحّ المثل القائل ″سارحة والرب راعيها″.
اهلاً بكم في بلد كان منارة الشرق الاوسط واليوم، بفضل القابضين على زمام الحكم فيه، يكاد يضمحل عن الخريطة السياحية بعد ان اختفى عن خريطة العالم العربي الاقتصادية.
فليس بعيداً عن الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ السابع عشر من تشرين الاول 2019، اضافة الى تدهور الوضع الصحي العام للبلاد بسبب انتشار فيروس كورونا الذي لا زال يسجل ارقام اصابات مرتفعة رغم الاقفال التام، ها هي الليرة اللبنانية تتدهور الى ادنى مستوياتها منذ العام 1992.
اهلاً بكم في بلد اضحى كل شيء فيه “غبّ الطلب”. من الالتزام بالدستور الى قوانين المحاسبة، الى شؤون المواطنين الاجتماعية وحتى رعايتهم الصحية، كلها صارت رهن اهواء السياسيين ومصالحهم. وما عدم تشكيل حكومة جديدة منذ اربعة اشهر حتى اليوم الا اكبر دليل على ذلك. فالبلاد والعباد غارقون في الازمات فيما المعنيون بالشأن الحكومي يتصرّفون وكأنهم يملكون ترف تضييع الوقت والاستمرار في الخلاف على عدد الوزراء وتناتش الحصص.
المفارقة هنا ان هؤلاء جميعاً، يُجمعون على ضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين تعمل على استعادة ثقة المجتمع الدولي كما الداخل وانتشال لبنان من ازماته، ويعلنون موقفهم هذا بشكل يومي من على مختلف المنابر، ومع ذلك لا تزال المكابرة والمراوحة سيدتا الموقف.
ومن السياسة الى الاقتصاد، تكرّ السبحة. وها هي العملة الوطنية تسجل ادنى مستوياتها منذ عقود، يرافقها ارتفاع غير مسبوق بأسعار السلع والمواد الاستهلاكية. الى رفع الدعم الذي بات قاب قوسين او ادني من مراحله النهائية، الى امعان المصارف في ذلّ الناس عبر حجز اموالهم تارة، وعدم تحويل الاقساط الى التلاميذ في الخارج، ضاربين بعرض الحائط قانون الدولار الطالبي الذي اقره مجلس النواب وتعميم مصرف لبنان المترافق معه، تارة اخرى، الى حرمان المودعين من الحصول على جنى عمرهم بحجة نقص في العملة الاجنبية، والسلسلة تطول. حتى ربطة الخبز القوت اليومي للفقير (علماً ان 60% من اللبنانيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر)، يتلاعبون تارة بسعرها وطوراً بوزنها وكل ذلك لصالح زيادة ثرواتهم.
حتى القضاء، الأمل الوحيد المتبقي للبنانيين، حولته السلطة السياسية الى اداة بيدها. وها هم عوائل ضحايا انفجار مرفأ بيروت والجرحى يطعنون مرة ثانية عبر تأخير اصدار نتائج التحقيق بما جرى في ذلك اليوم المشؤوم، وها هي بيروت تترك وحيدة ثكلى تبكي ابناءها ونفسها وما من طرف خيط لحقيقة يمكن ان يعزيها. حتى اولئك الذين افترشوا الطرقات دفاعاً عن حقهم بحياة كريمة وعيش لائق، اضحوا مشاريع ارهابيين بعد ان اندس وسطهم مخربون وشوهوا حقيقة تحركهم.
اما بعد، فها هو البلد الذي اصطلح على تسميته ذات يوم “مستشفى الشرق الاوسط”، يموت ابناؤه على ابواب المستشفيات لانهم لا يملكون المال الكافي لتلقي العلاج. وها هي مافيا شركات الدواء تتحكم بحياة الناس، فتخفي ادوية وترفع سعر اخرى، كما توقف توزيع حليب الاطفال، وكأن المواطنون لا يكفيهم ما يعيشونه من ذلّ يومي حتى يزيده الجشعون ذلاً.
طويلة لائحة العذاب التي يعيشها اللبنانيون جراء فساد دولتهم، لا تكفي سطور قليلة لذكرها كلها. ويبقى الامل في أن تستفيق هذه السلطة من غيبوبتها الطوعية وتدرك فظاعة ما يحلّ بالبلد وتهبّ لنجدته. والى ان تحين تلك اللحظة نغني مع زياد الرحباني “قوم فوت نام وصير احلم انو بلدنا صارت بلد”.