عبد الكافي الصمد-سفير الشمال
أكثر من إشارة طفت أمس على سطح السّاحة اللبنانية دلّت على أنّ الأزمات، على اختلافها، تزداد تعقيداً وتأزّماً، وأنّها متداخلة في ما بينها إلى حدّ بعيد، إضافة إلى أنّ الحلول المنتظرة لكلّ هذه الأزمات، السّياسية والإقتصادية والمالية والمعيشية، ليست متوافرة في الوقت الحالي، ولا يتوقع توافرها في المستقبل القريب.
سياسياً، ما تزال أزمة تأليف الحكومة ترواح مكانها، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها في 22 تشرين الأوّل من العام الماضي، بسبب علاقته المأزومة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وانعدام الثّقة والتفاهم بين الطرفين، وهو ما يُترجم بشكل شبه يومي عبر تصريحات ومواقف وتسريبات متبادلة، تجعل إمكانية تقريب وجهات النّظر بينهما أمر بالغ التعقيد والصّعوبة.
ولأنّ كلّ شيىء في لبنان سياسي، فقد انعكست الأزمة السّياسية على كلّ نواحي الحياة فيه، وتأثّرت بها كلّ القطاعات والملفات، إلى حدّ أصبح فيه مصير أي أمر في هذا البلد مرتبط ومرهون بالواقع السّياسي.
إقتصادياً ومالياً هيمن إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية إلى مستويات قياسية على كلّ شيىء في البلد، بعدما تجاوزت العملة الخضراء أمس حاجز الـ10 آلاف ليرة مقابل كلّ دولار، وسط توقعات متشائمة تحدثت عن استمرار إنهيار العملة الوطنية أكثر في الأيّام المقبلة، وهو ما أشار إليه، وحذّر منه، كثيرون أمس، من أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة قد يصل إلى 50 ألف ليرة! مستندين إلى ما توقعه في هذا الصدّد مؤخّراً “بنك أوف أميركا”.
ولأنّ أسباب إنهيار الليرة اللبنانية كثيرة، فإنّ آخر أسبابها كانت المهلة التي حدّدها مصرف لبنان للمصارف المحلية حتّى نهاية شباط الفائت، بهدف زيادة رساميلها بنسبة 20 %، عملاً بالتعميم رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان، بهدف تعزيز إحتياطات العملة الصعبة لديه، وسط كلام عن عدم قدرة نصف المصارف المحلية على استيفاء هذه الشروط، ما دفعها إلى “شفط” الدولارات من السوق لهذا الهدف، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعره وتراجع دراماتيكي في سعر صرف الليرة اللبنانية، وإلى خلق المزيد من الضغوط على سمعة القطاع المصرفي والثقة به المنهارة أصلًا، وبالتالي خلق المزيد من الضغوط على سعر الصرف.
كلّ ذلك يحصل بينما ودائع صغار المودعين في المصارف تبخّرت أو تكاد، وتراجع قيمة رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص نحو 5 أضعاف على أقلّ تقدير، مع ارتفاع جنوني في أسعار السّلع الإستهلاكية الضرورية، نتج عنه إنزلاق أكثر من 70 في المئة من اللبنانيين نزولاً إلى تحت خط الفقر، ما يُهدّد بانفجار إجتماعي ـ معيشي بالغ الخطورة، وعلى كلّ المستويات.
مشاهد الفقر والجوع والبطالة والتهميش التي باتت تهدد أغلب اللبنانيين، والذي ترجم أمس بشكل لافت في تحرّكات إحتجاجية على الأرض في أغلب المناطق اللبنانية، وسط غياب تام للسّلطة التي تحاول نفض يدها من معالجة الأزمات وإيقاف الإنهيار، تترافق مع ما باتت مصادر عدة تحذّر منه مؤخّراً، وتبدي مخاوفها حياله، من انزلاق البلد نحو توتر أمني وخروج الوضع عن السيطرة، وانفلات وتسيّب على كلّ المستويات بشكل يضع مصير البلد على كفّ عفريت.