غسان ريفي-سفير الشمال
بعد ثمانية أيام على إنطلاق ثورة 17 تشرين 2019، وتحديدا في 24 منه أطل رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمة مسجلة على اللبنانيين ساهمت في تأجيج التحركات في الشارع، كونها لم تأت بجديد ولم تحاك تطلعات الثوار الذين كانوا يطالبون بالتغيير الفعلي والمحاسبة التي لم يجدوا منها شيئا عند رئيس البلاد الذي شكا لهم عدم القدرة بحجة غياب الصلاحيات أكثر مما قدم أجوبة على تساؤلاتهم.
بالأمس، وبعد أن تجاوز الدولار الأميركي عتبة العشرة آلاف ليرة، وفي ظل زنار نار لف البلاد بطولها وعرضها إحتجاجا على الأوضاع المعيشية والاجتماعية الصعبة والغلاء الفاحش الذي يلتهم الرواتب ويفترس المدخرات، إستدعى الرئيس عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لسؤاله عن الأسباب التي أدت الى هذا الارتفاع!!، وعما إذا كان هناك مضاربة على العملة الموطنية!!، ثم صدر بيان عنه أبلغ فيه اللبنانيين أنه توجه الى سلامة بسلسلة أسئلة، لكنه لم يبلغهم بأجوبة سلامة وبالتدابير التي ستتخذ لوقف المهزلة المالية والاقتصادية التي ترخي بظلالها السوداء على لبنان وشعبه.
يمكن القول، إن البيان الرئاسي كان لزوم ما لا يلزم، عدا أنه “ضحك على ذقون اللبنانيين” فالدولار يحلق إرتفاعا بين الثمانية والتسعة آلاف ليرة منذ أشهر وهو لامس عتبة العشرة آلاف في تموز الفائت، ومنذ شهر وأكثر بدأ بالصعود التدريجي على سلم التسعة آلاف الى أن وصل الى السعر الذي سيدخل التاريخ وسيسمي العهد برئيسه وحكومته ووزرائه بأنهم المسؤولين عن فقر وجوع اللبنانيين في زمن رديء من الحكم اللبناني.
اللافت، أن الرئيس عون إكتفى بالأسئلة التي وجهها الى الحاكم وبالبيان الذي أصدره، “وكفى الله المؤمنين شر القتال”، كما أعطى الاذن للمواطنين بالتحرك للتعبير عن غضبهم على إرتفاع الدولار وطلب من الأجهزة الأمنية حمايتهم وحماية الأملاك العامة وحق التنقل للمواطنين، في وقت لم يكن فيه رئيس الجمهورية قادرا على التنقل بفعل النيران التي إجتاحت الشوارع غضبا على سياسة اللامبالاة غير المسبوقة تجاه معاناة الناس.
غادر رياض سلامة القصر الجمهوري، وعاد رئيس الجمهورية الى مكتبه أو ربما الى إستراحته اليومية أو الى النوم من عناء الحكم، تاركا الدولار يستشرس في حرق البلاد، والغلاء يكوي جيوب اللبنانيين الذين كفروا بالدولة ومؤسساتها من رأس هرمها الى أسفل قاعدتها.
وصول الدولار الى عشرة آلاف ليرة كان يستدعي برئيس الجمهورية اللبنانية إعلان حالة طوارئ مالية في البلاد، وأن يترأس إجتماعات مفتوحة مع حكومة تصريف الأعمال أو مع مجلس الدفاع الأعلى أو مع من يعنيهم الأمر من الاقتصاديين وأصحاب الخبرات لتقييم الوضع وإتخاد الخطوات العملية السريعة لوقف الانهيار الحاصل.
وصول الدولار الى عشرة آلاف ليرة، كان يتطلب من رئيس الجمهورية أن يضع مصالح جبران باسيل جانبا، أن يدعو الرئيس المكلف الى إجتماع مطول لا ينتهي إلا بتشكيل الحكومة لكي يبدأ العمل الفعلي على إستعادة ثقة المجتمع الدولي على الانقاذ.
وصول الدولار الى عشرة آلاف ليرة، كان يتطلب من رئيس الجمهورية أن يعمل على طاولة حوار تؤسس لمصالحة شاملة تجعله على مسافة واحدة من جميع الأطراف ليعود “بيّ الكل” وينقذ ما تبقى من عهده ومن ماء وجه الرئاسة.
حتى الآن لم يحرك رئيس الجمهورية ساكنا، باستثناء أضعف “الايمان” بتوجيه بعض الأسئلة الى حاكم مصرف لبنان لا تسمن ولا تغني من إنخفاض لسعر الدولار، حتى أن البيان الرئاسي لم يأت على ذكر الحكومة أو على ضرورة تشكيلها، ولم يتطرق الى أية حلول عملانية ما يؤشر الى مزيد من العجز الرئاسي على الحكم وعلى حماية اللبنانيين.