في عز الازمات المتلاحقة وغياب الدولة وترهل مؤسساتها، ليس غريباً ان تشكل مشكلة المرامل والكسارات في لبنان وهي من المشاكل القديمة الجديدة، نموذجاً للفلتان الذي يتفاقم يوماً بعد يوم بسبب عدم ملاحقة المخالفين وغياب تطبيق القوانين تحت غطاء عدد من الحجج منها اللوجستية والإدارية والسياسية وغيرها، والتي تسمح لأصحاب المرامل والكسارات العشوائية بنهش جبال ووديان لبنان مخلفين تشويهاً كاملاً ونهائياً لأماكن طبيعية مهمة في كل الأقضية اللبنانية.
وكمختلف الملفات، فإن إدارة مشكلة المرامل والكسارات موزّعة بين عدد من الوزارات منها البيئة والداخلية والبلديات والطاقة. وعلى الرغم من صدور عدد من المراسيم والقوانين لتنظيم عمل المرامل والكسارات إلا أن الفلتان في استغلال المقالع والكسارات زاد في لبنان في الفترة الأخيرة بسبب الرخص التي تعطى استنسابياً من قبل عدد من الإدارات الرسمية إما تحت عنوان استصلاح أرض، إنشاء مصانع، مهلة إدارية أو غيرها.
ولما كانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني مكلفة من قبل الدولة اللبنانية ووزارة الطاقة منذ انشائها بجمع وقياس جميع الأنهر والينابيع اللبنانية وتحديد الميزانية المائية على صعيد لبنان، وفي سياق تقريرها حول محافر الرمل والمقالع ضمن حوض نهر الليطاني والأموال المنهوبة جراء عمل المقالع والكسارات رصدت المصلحة الوضع البيئي والهيدرولوجي الذي وصل اليه حوض ونهر الليطاني والذي بات يهدد بتداعيات خطيرة على الثروة المائية والصحة العامة، واعدت تقريراً تفصيلياً بكل مواقع المقالع والمحافر والكسارات في كافة الاراضي اللبنانية، مما اظهر ارقاماً هائلة من الأرباح ومن المساحات المتضررة ومن الرسوم والضرائب التي تم التهرب منها.
وفي ما يتعلق بحوض نهر الليطاني والذي تبلغ مساحته الإجمالية 2112 كلم2 أي 20% من مساحة لبنان، ويضم 296 بلدة على كامل الحوض، (في محافظات بعلبك الهرمل، البقاع، النبطية، الجنوب وجبل لبنان)، ونظراً لطبيعة تضاريس الحوض وغياب تطبيق القوانين ازدهر عمل المقالع والكسارات والمحافر على امتداد 63 بلدة ضمنه حيث تمد النهر بالمياه المحملة بالرمول والأوساخ مخلفة اضراراً بيئية وصحية على النهر والسكان وعلى طبيعة الحوض.
كما يستهلك عمل المقالع والكسارات والمرامل كميات كبيرة من المياه ما يعني ان حجم التصريف الناتج عن النشاط يساهم بتلوث المياه السطحية ويهدد الحياة في النهر.
وقام الفريق الفني للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني بمسح شامل للمقالع ومواقع محافر الرمل الموجودة ضمن حوض نهر الليطاني وكانت نتيجة المسح 176 مقلعاً ومحفاراً (رئيسياً) تتوزع على 63 بلدة ضمن حوض نهر الليطاني.
وحسب التقرير بلغ مجموع المساحة المتضررة 9,650,304 م.م (حوالي تسعة ملايين متر مربع) على كامل الحوض وتقدر الكميات المستخرجة من هذه المساحة بحوالى 193 مليون متر مكعب من المواد المستخرجة الخام (بمعدل حفر وسطي بعمق 25 متراً) والتي يتم استثمارها، وتبين ان الربح الذي جناه هؤلاء المستثمرون يكون أكثر من 3 مليارات دولار على اقل تقدير في حال تم بيع المتر المكعب (بسعر وسطي) بحوالى 15 دولاراً اميركياً.
اما على كامل الأراضي اللبنانية فتبلغ المساحات المتضررة بحوالى 65,000,000 م2 (حوالى 65 مليون متر مربع) تتوزع على 1356 مقلعاً وكسارة ومحفاراً وتقدر الكميات المستخرجة من هذه المساحة بحوالى 1.6 مليار متر مكعب من المواد المستخرجة الخام (بمعدل حفر وسطي بعمق 25 متراً) والتي يتم استثمارها، وتبين ان الربح الذي جناه هؤلاء أكثر من 24 مليار دولار على اقل تقدير في حال تم بيع المتر المكعب (بسعر وسطي) بحوالى 15 دولاراً اميركياً.
وتحتل محافظة جبل لبنان المرتبة الأولى في مساحة وعدد المقالع والكسارات لا سيما في اقضية عاليه والمتن وجبيل وكسروان حيث تبلغ المساحات المتضررة أكثر من 15 مليون متر مربع.
وقد وجهت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بتاريخ 13 شباط 2020 سلسلة كتب الى كل من وزراء المالية والطاقة والمياه والبيئة والداخلية طلبت بموجبها تطبيق المادة 61 من القانون وإيقاف كل طلبات الاستثمار ونقل الستوك في حوض نهر الليطاني والزام أصحابها بإنجاز كافة الموجبات الرامية لرفع الضرر البيئي مما يحقق العدالة البيئية في حوض نهر الليطاني، وأشارت المصلحة في كتبها ان السماح بسحب الكميات المستخرجة بدون ترخيص او بمخالفة الترخيص او بموافقات غير قانونية من شأنه ان يحول دون تطبيق نص المادة 61 من قانون الموازنة ومن شأنه ان يهدر الأموال العامة ويفاقم الضرر البيئي. وبتطبيق هذه الأحكام على الرسوم التي كان يتعين جبايتها على كامل الاراضي اللبنانية فتبلغ المساحات المتضررة بحوالى 65,000,000 م2 (حوالى 65 مليون متر مربع) تتوزع على 1356 مقلعاً وكسارة ومحفاراً. اما لجهة الرسوم التي كان يجب جبايتها فهي بمعدل وسطي 20,000ل.ل. عن كل متر مربع، تبلغ الرسوم المتوجبة 1300,000,000,000 ل.ل. ألف وثلاثمائة مليار ليرة لبنانية.
وتجدر الإشارة الى ان الأموال العامة المنهوبة والثروات الطبيعية المهدورة جراء أنشطة المقالع والكسارات والمحافر يبدو جلياً في حالات العمل من دون ترخيص او العمل بموجب اذونات من وزارتي البيئة او الداخلية او المحافظين، او من خلال التواطؤ الرسمي الناجم عن السماح باستثمار مساحات بعشرات اضعاف المساحات المرخصة، والأكثر هدراً للمال العام هو سكوت الجهات المعنية او سماحها باستثمار مقالع ومحافر على الأملاك العامة لتنطوي الجريمة على تهرب ضريبي واعتداء على الأملاك العامة إضافة الى الجرم البيئي.
كما ان الأضرار البيئية هي اكبر بكثير من الهدر المالي خاصة في ظل عدم التقيد بالمادة 1 من المرسوم رقم 8803 الصادر بتاريخ 4 تشرين الأول سنة 2002 تنظيم المقالع والكسارات والتي تنص على انه: “يحظر استثمار مقالع الصخور للكسارات والردميات، ومحافر البحص المفتت طبيعياً، والمقالع لصناعة الترابة في المواقع الطبيعية والمحميات الطبيعية والمنتزهات الاقليمية والوطنية ومجاري الانهر. يحظر استثمار محافر الرمل ومقالع الحجر التزييني (بلوك) وحجر العمار ومقالع الصخور لصناعة الموزاييك في المواقع الطبيعية والمحميات الطبيعية ومجاري الانهر”. وفي ظل سكوت الجهات المعنية عن تطبيق المادة 7 من المرسوم رقم 8803 الصادر بتاريخ 4 تشرين الأول سنة 2002 تنظيم المقالع والكسارات توجب تحديد طريقة التخلص من النفايات الصلبة والسائلة الناتجة عن المقلع و/أو الكسارة.
بالإضافة الى عدم مراعاة المادة 14 من المرسوم رقم 8803 الصادر بتاريخ 4 تشرين الأول سنة 2002 تنظيم المقالع والكسارات التي تنص على انه: اذا كان استثمار المقلع يجري في بيئة مائية فيجب تنفيذ التدابير الآيلة الى الحفاظ على نظام المياه والمميزات الخاصة بالبيئة وعلى حماية نوعية المياه ووجهة استعمالها.
وهي تشكل جرائم معاقب عليها بموجب القوانين الخاصة بالبيئة والمياه لا سيما القانون رقم 64/1988 الصادر في 12 آب سنة 1988، المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة، المعدل بموجب القانون رقم 216 تاريخ 02/04/1993 وقد نص في المادة الأولى: “ان المحافظة على سلامة البيئة من التلوث هي موجب ملقى على عاتق كل شخص طبيعي او معنوي. يرتكب جرماً يعاقب عليه القانون كل من يتسبب عن قصد او غير قصد بتلوث في البيئة يتم بإحدى الوسائل او يتخذ احدى الصور المنصوص عنها في هذا القانون”.
ووفقاً لدراسة انجزها فريق البنك الدولي ان ثمن التدهور البيئي في لبنان مكلف وان المقالع تخفض من 16 الى 17 في المئة من قيمة الأرض ومن 16 الى 45 في المئة من قيمة الشقق السكنية المحيطة بها، ويشكل هذا التدهور الاقتصادي ما يعادل 0.1 في المئة من ناتج لبنان الوطني المحلي الإجمالي ما يعادل 34.5 مليون دولار أميركي سنوياً.