المركزية- فيما البلاد تشهد ثورة متجددة فجّرتها الاوضاع المعيشية والمالية الآخذة في التقهقر بلا هوادة، رامية الناس في أتون الفقر والجوع والمرض، غادر الرئيس المكلف سعد الحريري عصر امس بيروت متوجها الى دولة الإمارات العربية المتحدة. قد تكون هذه الزيارة تندرج في اطار الجولات الخارجية التي يقوم بها منذ اسابيع، على عواصم القرار العربية وربما قريبا الاوروبية، لإعداد الارضية اللازمة لتأمين وصول الدعم في اسرع وقت ممكن الى بيروت، فور تشكيل حكومة المهمة التي يسعى الرجل الى تأليفها. غير ان الواقع الخطير الذي يكوي اللبنانيين اليوم، بات يستدعي الانكباب على اخراج الحكومة العتيدة من عنق الزجاجة، قبل اي شيء آخر، فلا نضع العربة امام الحصان، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
وجهة نظر المانحين، باتت معروفة، ألّفوا سريعا حكومة مهمة مؤلفة من اختصاصيين مستقلين قادرين على نيل ثقة شعبهم والعالم، وبعدها، سنهبّ لمساعدة دولتكم. حريّ اذا بالمعنيين بعملية التشكيل، العمل بجديّة لايجاد تسوية ما، تتيح ولادة الحكومة سريعا، بدلا من اضاعة مزيد من الوقت… الفريقُ الرئاسي في المقابل، لا ينفكّ يذكّر الرئيس المكلف بأن الحكومة تولد في بيروت، ويحثّه على الاضطلاع بمسؤولياته والتواصل مع رئيس الجمهورية للعمل معا على وضع تشكيلة مرضية للجميع. غير ان هذا الطرف، لا يكتفي بهذا الموقف الممتاز والجميل، فهو في الباطن، يطمح الى انتزاع ثلث معطل في الحكومة بالاضافة الى وزارات معينة، ويريد ان يختار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر وزراءهما في التركيبة العتيدة، والا اعتبروا الحريري يعتدي على صلاحيات بعبدا وحقوق المسيحيين.
حتى الجوع العابر للطوائف والفقر العابر للمذاهب، الذي توحّد تحت رايتهما الشعب كلّه، لم يتمكّنا من زحزحة العهد قيد أنملة عن شروطه هذه. فبعد انفجار غضب الناس في الشارع مساء الثلثاء، استدعى رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مستفسرا منه عن اسباب ارتفاع سعر صرف الدولار الى 10 آلاف ليرة، وطالبه بإطلاع اللبنانيين، تأميناً للشفافيّة، على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة في هذا الشأن، كما طالبه بإحالة هذه النتائج إلى النيابة العامة ليصار إلى ملاحقة المتورّطين في حال ثبت وجود عمليّات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنيّة من جانب أفراد أو مؤسسات أو مصارف. وسأل الرئيس حاكم مصرف لبنان عمّا آل إليه تنفيذ التعميم رقم 154 الصادر عنه للمصارف وعمّا إذا كان تطبيقه موجباً لاستعادة جزء من الأموال المحوّلة سابقاً إلى الخارج من جانب كبار مساهمي المصارف وكبار مدرائها والسياسيين والعاملين في القطاع العام وما هو الحجم الحقيقي للأموال التي جرى استعادتها في هذا السياق.
الموقف الرئاسي هذا، إن دل الى شيء، فالى ان بعبدا تعتبر الازمة ماليةً صرفا، ولا دور للعامل السياسي فيها، بينما العكس في الواقع، هو الصحيح، تتابع المصادر. فالتخبط الاقتصادي – المصرفي – المعيشي وتدهور سعر الليرة، سببه الاول التعثرُ السياسي – الحكومي، وكلّما استمرت المواجهة بين المعنيين بالتشكيل وكبرت، ستتفاقم الاوضاع المعيشية وتزداد صعوبة. على اي حال، المواقف الداعية الى التشكيل، من الخارج والداخل، تؤكد بما لا يرقى اليه شك، أن أساس الازمة اللبنانية، سياسي. وقد رأى المطارنة الموارنة امس ان “الإعتراضات التي حدثت ليلة الثلثاء والتدهور المخيف لقيمة العملة اللبنانية تدل من جديد الى عمق الهوة التي أوقع الشعب اللبناني فيها إقتصاديا وماليا، والى الفشل الذريع للسلطة السياسية في معالجة هذه الحالة وذلك بسبب تمنعها بدون وجه حق عن تشكيل حكومة “مهمة” من ذوي الإختصاصات وغير الحزبيين تكون قادرة على مواجهة الأوضاع الصعبة في البلاد المواجهة اللازمة”.
فهل يكف اهل المنظومة عن طمر رؤوسهم في الرمال، وعن الهروب الى الامام، تارة نحو العواصم الكبرى وطورا نحو رمي كرة النار في ملعب المصارف وحدها، ويضطلعون بواجباتهم بالتشكيل سريعا، بعد ان بات تقاعسهم جريمةً موصوفة بحق شعب بأكمله؟