عند كل استحقاق ناتج عن فشل السلطة السياسية يوضع الجيش أمام اختبار جديد مع شعبه، وتدخل حسابات بعض القوى السياسية على الخطّ في محاولة للإستثمار في الورقة العسكرية.
لا يزال قائد الجيش العماد جوزف عون والقيادة العسكرية يمنعان الطامحين من أهل السياسة من تحويل الجيش إلى أداة لاستخدامها ساعة يشاؤون، من هنا فإن المؤسسة العسكرية أمام اختبار جدّي سيتضاعف كلما اشتدّت الأزمة.
لا شكّ أن الأوضاع صعبة والأيام المقبلة لن تكون أسهل، بل إن كل المؤشرات تدل على أنّ السلطة السياسية ستُمعن في التعطيل حتى خراب آخر حجر من هيكل المؤسسات. وتتعطّل الحلول السياسية، ما يدفع الدولار إلى الصعود أكثر فأكثر، والشارع إلى الغليان والتحرّك على وقع سلوك الإنهيار “الخطّ السريع”.
وتقف المؤسسة العسكرية هي الأخرى أمام استحقاق داخلي مهمّ، إذ إن صرخة الجنود تزداد نتيجة تقلّص حجم رواتبهم بعد انهيار الليرة، في حين أن القيّمين على تلك المؤسسة يقولون للعسكر أصبروا فقد مرّت علينا أيام أصعب في الثمانينات ومطلع التسعينات ومن ثمّ عاد الوضع إلى طبيعته.
والنتيجة أن الجميع مأزوم، الشعب في أزمة كبرى، والمؤسسات العسكرية هي الأخرى تقف بين سندان القرارات السياسية والمطالب الشعبية المحقّة، والسلطة السياسية الحاكمة تخوض آخر معاركها في الحفاظ على حصصها التي نُهبت من مال الشعب.
ولا شكّ أن العسكر الذي يقف على الأرض ويحاول البعض تحميله مسؤولية ما يحصل لا يستطيع القول للشعب “أنتم من انتخبتم هؤلاء السياسيين ونصبتموهم بينما نحن لم ننتخب أحداً”، وغير قادر من جهة أخرى على التمرّد على السلطة، لكنّ التعاطف يبدو واضحاً في الأيام الأخيرة مع الناس التي تتظاهر لأن المطالب هي نفسها للمدنيين والعسكريين.
إذاً، إنتفض الشارع، والجيش أمام اختبار جديد بعدما وصل سعر صرف الدولار إلى 10 آلاف ليرة، وفي ظلّ هذه الأوضاع المستجدّة، فإن القيادة العسكرية تُصرّ على الإستمرار بثلاثية العمل بحكمة على الأرض وتأمين الإستقرار والأهم عدم الإصطدام مع الثوّار السلميين.
وتعرف المؤسسة العسكرية أن الأوضاع صعبة ومعقدة، وهي تؤكّد أنها لن تكون أداة لقمع الشعب الثائر، وبالتالي فإن التعاطي بحكمة يفترض تقدير ما تتطلّبه الأرض في سيناريو شبيه بمرحلة 17 تشرين الأول 2019، وبالتالي فإن دور الجيش لن يتغير. ووسط التوقعات بارتفاع وتيرة الإحتجاجات، فإن الجيش سيكون أمام مهمّة حفظ الإستقرار، وهذا يعني أنه لن يسمح للمندسين بالدخول إلى التظاهرات لتخريبها ولن يسمح بالإعتداء على الأملاك العامة والخاصة، بل إنّ حق الإعتراض مصان، وبالتالي فإن أحداً لن يستطيع الطلب من قيادة الجيش قمع التحركات.
ويبدو واضحاً أن القيادة العسكرية إتخذت قراراً واضحاً بعدم حصول صدام مع الثوّار الذين يتظاهرون تحت سقف القانون ويتحرّكون من وجعهم، فلعبة استخدام الجيش في الصراعات الداخلية أو لحماية ممارسات السلطة السياسية مرفوضة، الجيش يعمل وفق مبدأ أنه مع الشعب ويعمل لحمايته وحماية الإستقرار والسلم الأهلي.
لا شكّ أن البلاد دخلت مرحلة جديدة سيما أن الحلول السياسية لا تزال بعيدة المنال، لذلك فإن الأنظار ستتوجه إلى الأرض لمعرفة كيف سيكون إتجاه اللعبة وإلى أي حدّ سيصل مستوى الردّ الشعبي على ترك البلاد تنهار؟!