في أيام «الرخاء»، تلك التي سبقت تحليق الدولار إلى ما وصل إليه حالياً، وقبل أزمتي الكهرباء و«تقتير» المازوت والبنزين، كانت المُستشفيات تشغّل مولّداتها الخاصة بمعدّل 12 ساعة يومياً، وفق تقديرات بعض أصحابها. آنذاك، كانت المولّدات قادرة على سد النقص فيما كان المازوت متوافراً.
اليوم، مع انهيار سعر صرف الليرة وفي ظل التقنين القاسي، ومع ارتفاع الطلب على المازوت، فإن القلق من عجز بعض المُستشفيات عن تأمين الكهرباء على مدار الساعة، أمر جدّي أكثر من أي وقت مضى، مع ما يعنيه ذلك من خطر توقف تشغيل بعض الأجهزة الحيوية، كأجهزة التنفس الاصطناعي التي تعدّ شريان الحياة، خصوصاً لمصابي «كورونا».
وبحسب المعلومات، فإن التخوف من عدم قدرة المُستشفيات على تأمين الكهرباء بشكل متواصل، مردّه إلى عجز موردي المازوت عن تسليمها الكميات التي تحتاج إليها حالياً، والتي ستتضاعف حكماً مع مخاطر زيادة ساعات التقنين، فيما لا قدرة لأجهزة الـups على العمل أكثر من ساعة واحدة. هذا سيقود حكماً إلى «اشتعال» أسعار المازوت، ما سيجعل فاتورة الاستشفاء في بعض المُستشفيات «الناجية» من التقنين خيالية، فيما سيصبح الحق في الوصول إلى الطبابة بعيد المنال لكثيرين.
يتزامن ذلك مع تفاقم وباء «كورونا» الذي يُضاعف الأكلاف التشغيلية بشكل يجعل تساؤلات أصحاب المُستشفيات حول إمكانية استمرارها مشروعاً، بعيداً عن الجشع الذي طالما تعامل به هؤلاء مع القطاع الصحي في لبنان منذ سنوات؛ إذ تؤكد مصادر معنية بالقطاع الاستشفائي لـ«الأخبار» أن «أقسام كورونا ترتّب استهلاكاً ضخماً للكهرباء. فإلى أنظمة التهوئة الخاصة وتكاليف التعقيم والغسيل، تحتاج أجهزة الأوكسيجين والتنفس الاصطناعي إلى تيار كهربائي متواصل». بهذا المعنى، فإن أزمة الكهرباء «ستقود حكماً إما الى مُضاعفة الفاتورة الاستشفائية أو إلى إغلاق بعض المستشفيات، لأن كل مريض أصبح يُمثّل خسارة للمُستشفى»، بحسب أحد أصحاب المُستشفيات في بيروت، لافتاً الى «وساطات توفّر لبعض المُستشفيات المحظية المازوت المدعوم، فيما تلجأ البقية الى شراء المازوت من السوق السوداء، ما رفع الكلفة خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف».

وإذا ما كان خيار غياب الكهرباء كلياً عن المُستشفيات «مُستبعد وفيه الكثير من التهويل»، وفق رئيس مصلحة المُستشفيات في وزارة الصحة الدكتور جهاد مكوك، إلا أن القلق الأكبر هو على حياة المرضى الموضوعين على أجهزة الأوكسيجين والتنفس في بيوتهم؛ إذ إنّ التقنين من شأنه أن يمسّ مباشرة بحياة آلاف المرضى، خصوصاً مع لجوء كثيرين من أصحاب المولدات إلى إطفائها لـ«ترييحها» بسبب ساعات الانقطاع الطويلة.
وإلى كلفة الكهرباء والمحروقات، ثمة أكلاف أخرى مرتبطة بمُستلزمات الحماية الشخصية للطواقم الطبية والتمريضية وبكلفة الأوكسيجين الذي حلّقت أسعاره، «فيما يتوقع أن تبقى تسعيرة أفضل جهة ضامنة، وهي وزارة الصحة، محددة بالليرة»، بحسب مصادر مطلعة طرحت مخاوف جدية من «تعطّل النظام الاستشفائي»، خصوصاً إذا استمرت «اجتهادات» بعض شركات مستوردي المعدات والمُستلزمات الطبية، إذ إن بعض الشركات استبعد عدداً كبيراً من المعدات من لائحة المعدات المدعومة بالدولار الاستشفائي المحدد بـ3900 ليرة، من ضمنها مثلاً معدات طبية أساسية كقسطرة البول وبعض معدات تركيب المصل وغيرها. وبذلك، بات على المُستشفى، وبالتالي المريض، شراء هذه المعدات بسعر دولار السوق، «من دون التأكد مما إذا كان الدعم مرفوعاً عنها بالفعل، في ظل الفوضى وانشغالات مصرف لبنان وعدم وجود جهة لملاحقة الأمر».
لذلك كله، يذهب بعض أصحاب المُستشفيات إلى أنه حتى «الدولار الصحي»، لم يعد يفي بالغرض «لكثرة المعدات التي تطالب الشركات بتسديد ثمنها على أساس سعر دولار السوق. أما تلك المدعومة، فعلى المُستشفيات تسديد نسبة الـ15% المتبقية من الدعم كدولارات طازجة أو نقداً على أساس سعر السوق، تحت طائلة عدم تسليم البضائع».
يُذكر أن «الدولار الصحي» اقتُرح كـ«تخريجة» مهّد بها أصحاب المُستشفيات لـ«تبليع» المرضى تقبّل فوارق الفواتير الناجمة عن اختلاف التسعيرات بين الجهات الضامنة وأسعار الدولار المتغيرة. وعليه، فإن مثل هذا الكلام يعد إعلاناً ضمنياً عن رفع الدعم الصحي و«تحرير» تسعيرة المستشفيات وعدم الاعتراف بتسعيرات الجهات الضامنة كوزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما سيكون الاستشفاء معه «رفاهية» غير متوافرة إلا للميسورين فقط.


273 على أجهزة التنفس
وفق أرقام وزارة الصحة أمس، وصلت أعداد المصابين بفيروس كورونا في المُستشفيات إلى 2178، 886 منهم يُقيمون في العناية المركزة. وبين هؤلاء 273 موصولون الى أجهزة التنفس الاصطناعي. وسُجلت 3463 إصابة جديدة (17 منها وافدة) من أصل 21 ألفاً و105 فحوصات، أي إن نسبة إيجابية الفحوصات بلغت 16.4%، في مؤشر يؤكد استمرارية الواقع الوبائي الحرج، خصوصاً مع استمرار ارتفاع معدلات الوفيات، وتسجيل 61 وفاة رفعت إجمالي الضحايا إلى 4866.