باريس تضغط على “المعطّل باسيل” وتشارك الراعي رؤيته السيادية

شبان أقفلوا طريق النهر (رمزي الحاج)

رندة تقي الدين-نداء الوطن

يوم السابع والعشرين من أيلول الماضي، جمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته بيروت، الصحافة المعتمدة في القصر الرئاسي الفرنسي إلى جانب صحافيين لبنانيين، في قصر الصنوبر، دار السفارة الفرنسية في بيروت، ليعرب عن استيائه وغضبه من الطبقة السياسية اللبنانية، بصراحة لم تعهد من جانب دولة صديقة للبنان.

فقد سمعت الطبقة السياسية الحاكمة كلاماً قاسياً من الرئيس الفرنسي ومن وزير خارجيته جان ايف لودريان الذي قال مراراً إنّ لبنان يغرق وسياسيوه لا يتحّركون. بعد حوالى ستة أشهر من تصريحات ماكرون التي لم تؤثر في أصحاب القرار اللبنانيين، يزداد الموقف الفرنسي قساوة واستياء إزاء من يعطّل تشكيل حكومة مهمتها انجاز الإصلاحات كي تتمكن من الحصول على المساعدات الدولية لإنقاذ البلد.

ومن الضروري التذكير بما قاله يومها ماكرون حين توجه الى الطبقة السياسية قائلاً إنّ “السلطات والقوى السياسية اللبنانية اختارت تقديم مصالحها الحزبية والخاصة على مصلحة البلد وشعبه، وإنّ هذه السلطات اختارت تسليم لبنان الى لعبة القوى الأجنبية وأن تحكمه بالفوضى بدلاً من الاستفادة من المساعدة الدولية التي يحتاج اليها”. يومها أيضاً، انتقد “حزب الله” قائلا إنّه “لا يمكن لـ”حزب الله” أن يكون جيشاً يحارب إسرائيل وميليشيا تشن هجوماً على المدنيين في سوريا، وعليه ألا يعتقد بأنه أقوى مما هو وأن يظهر أنّه يحترم الشعب اللبناني، ولكن في الأيام الأخيرة هو اظهر عكس ذلك”. وكرر مرتين: “أخجل من مسؤوليكم”.

اليوم، لا يزال التعطيل قائماً، فيما تسعى باريس لإقناع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل بتسهيل تأليف الحكومة، ولذا لا يزال كبار المسؤولين الفرنسيين، وفي طليعتهم الرئيس ماكرون، مستائين. ويعتبر الرئيس الفرنسي أنّ المسؤولين اللبنانيين خانوا التزاماتهم له، ولكنه ما زال مصراً على الاستمرار في محاولة اقناع الجانب المعطّل، والذي يمثّله، بنظر الجانب الفرنسي، باسيل، لأنه حسب مصادر لبنانية، ما زال لديه هامش تحرك مع “حزب الله” خصوصاً أنّه يخضع لعقوبات أميركية، لن ترفع في القريب العاجل بسبب تحالفه مع “حزب الله”.

الاستياء الفرنسي من السياسيين الذين يؤخرون تشكيل الحكومة، كبير، ولو أن ماكرون مستمر بمسعاه. وثمة شعور لدى بعض الأوساط الفرنسية بأنّ السياسيين اللبنانيين خانوا تعهداتهم للرئيس الفرنسي الذي تعهد للبنانيين أنّه لن يتركهم لكنه لا يمكن أن يتصرف نيابة عنهم. إلى ذلك، ثمة عتب على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لهدر مكتسبات مؤتمر “سيدر” وعدم تنفيذ أي شيء منها، وبكون الهدر والفساد ينخران عظام كل المؤسسات الرسمية.

كما أنّ الحريري سبق له أن فاجأ الإدارة الفرنسية السابقة، في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، حين أبلغها بأنه قرر انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية مسلّما زمام الأمور الى رئيس حليف لـ”حزب الله”، ثم عاد واختلف معه ومع صهره. رغم ذلك، تتفهم باريس أنّ الحريري هو وحده اليوم من يؤمّن الغطاء السني لأنه يمثّل هذا الشارع، وهو أكّد للرئيس ماكرون انه يسير حسب خريطة الطريق الفرنسية وقد تناول معه في لقائهما الأخير تفاصيل موقفه من تشكيل الحكومة.

إلّا أنّ فرنسا تطالب بالشفافية وتصرّ على التدقيق في حسابات البنك المركزي اللبناني وتطالب باعلان نتائج التحقيق في انفجار المرفأ، وكلها أمور لم تحصل حتى الآن. فالإستياء الفرنسي يزداد يوماً بعد يوم لأن الشعب اللبناني يعاني أوضاعاً كارثية، وأصحاب القرار “على غير كوكب” غير مبالين بالمخاطر الناجمة عن هذا الوضع.

أمّا بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، فلا شك أنّ هناك ارتياحاً ولو انه يتّسم بالحذر. فالإدارة السابقة لم تعارض المبادرة الفرنسية على عكس ما تردد في لبنان، لكنها لم تساعد الجانب الفرنسي بعد فرض العقوبات على عدد من الوزراء السابقين. أمّا الإدارة الحالية، بدءاً بالرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته انطوني بلينكن وغيرهما من المسؤولين عن الملف في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، فيبدون حرصهم على العمل مع الجانب الفرنسي ولو أنّ هذه الإدارة ما زالت في طور ترتيب أوضاعها الداخلية، وهذا قد يتطلب بعض الوقت.

الملفت، أنّ رئيس الاستخبارات الأميركية وليام برنز زار لبنان مرات عدة وعمل سفيراً في الأردن في الفترة ذاتها التي عمل خلالها رئيس الاستخبارات الفرنسية الحالي برنار ايمييه، سفيراً أيضاً في الأردن الذي هو واسع الاطلاع على الملف اللبناني كونه كان سفيراً في لبنان وعمل مستشاراً للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. وتربط ايمييه ببيرنز علاقة زمالة قديمة والاثنان على علم واسع بالمنطقة وبالمسؤولين فيها. كما أن المسؤولة عن الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البيت الأبيض باربارا ليف هي سفيرة سابقة في ابو ظبي، عملت لثلاث سنوات في ملف الشرق الأوسط في السفارة في باريس في عهد الرئيس شيراك وخدمت في البصرة وهي طليقة باللغة العربية.

كما أنّ أوساط ماكرون على اتصال بالمسؤولين الأميركيين حول كافة ملفات الشرق الأوسط ليس فقط لبنان، حيث تعتبر واشنطن أنّ لفرنسا علاقة تاريخية مع هذه الدول. ولكن رغم الارتياح، هناك بعض الحذر من الجانب الفرنسي الذي اختبر رفض الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما في اللحظة الأخيرة الضربة على سوريا عندما استخدم نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي.

اليوم، فرنسا لا ترى أنّ دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي لعقد مؤتمر دولي، تقدّم حلاً للوضع الراهن علما أنّها تشاركه رؤيته السيادية وضرورة تشكيل حكومة ومكافحة الفساد. كما أنّ ماكرون مصمم على عدم ترك لبنان رغم العرقلة الحالية، فيما تواصل أوساطه الاتصال والضغط على مختلف اللاعبين اللبنانيين.

فالمسؤول عن ملف الشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل منهمك بإجراء الاتصالات مع اللبنانيين، فيما يتابع رئيس المستشارين في القصر الرئاسي الفرنسي ايمانويل بون، الذي عمل سابقا سفيراً في لبنان ومستشاراً للشرق الأوسط في عهد هولاند، الأوضاع مع السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التي لها دور كبير في تنفيذ توجيهات رئيسها وفريقه. ورغم تعنت المسؤولين اللبنانيين واستمرارهم في التعطيل الذي قد يكلفهم الكثير اذا استمروا في المزيد من اغراق البلد، إلّا أنّ فرنسا مستمرة في الضغط بكل ما لديها من وسائل.

Exit mobile version