(هيثم الموسوي)
الأخبار- إيلي الفرزلي
لكن هذا التفسير القضائي والنيابي وجد من يعارضه، تأكيداً على توجّهات حزب المصرف، الذي لا يزال يسعى جاهداً إلى إعاقة التدقيق في حسابات مصرف لبنان وحسابات المصارف. وعلى ما يبدو، فإن «قطبة» التدقيق «بالتوازي» لا تزال حاضرة للاستخدام. وقد برزت مجدداً في سؤال نيابي قدّمه إلى مجلس الوزراء نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنواب: قاسم هاشم، غازي زعيتر ونقولا نحاس.
السؤال يطالب «بشكل واضح» بأن يكون «العقد الذي سيتم بموجبه إتمام التدقيق في مصرف لبنان شاملاً، وفقاً لصراحة القانون 200/2020 والقرار الصادر عن مجلس النواب في 27/11/2020، أيضاً الوزارات والإدارات، أو على أقل تقدير التدقيق الجنائي في وزارات الطاقة والاتصالات (على سبيل المثال لا الحصر)».
ربط التدقيق في مصرف لبنان بالتدقيق في وزارة الطاقة ليس جديداً. سبق للرئيس نبيه بري نفسه أن قال، في 29 كانون الثاني الماضي، إنه «مع إجراء تحقيق جنائي يشمل حسابات كلّ مؤسسات الدولة، وزارات وإدارات وصناديق ومصرف لبنان، وأول ما يجب أن يبدأ به التحقيق الجنائي هو وزارة الطاقة».
أكثر من ذلك يعتبر مقدمو السؤال أن «محاولة البدء بالتدقيق الجنائي في مصرف لبنان وحده دون عطفه على هذه الوزارات من شأنه تفريغ التدقيق الجنائي لدى مصرف لبنان من مضمونه لأن التدقيق في حسابات المصرف لن يكون له النتيجة المتوخاة إذا لم يتم ربطه بتدقيق بالتوازي والتزامن مع التدقيق لدى الوزارات والإدارات وهذا أمر بديهي».
البداهة التي يتحدث عنها النواب لم تكن كذلك، بحسب زميل لهم شارك في الجلسة التي أقر فيها قانون رفع السرية المصرفية لأجل التدقيق. لم يقولوا كيف يمكن ألا يؤدي التدقيق في مصرف لبنان إلى النتيجة المتوخاة منه إذا لم يربط مع التدقيق في الوزارات والإدارات. ولم يقولوا أصلاً كيف يمكن ربط الأمرين بشكل عملي. أضف إنه بدا مستغرباً، بحسب المصدر، إضافة عبارة «التوازي والتزامن» (مع وضع خط تحت كلمة التزامن) في السؤال، كما لو أن القانون يسلّم بوحدة معنى الكلمتين.والأسوأ أن السؤال الموجّه إلى الحكومة في ٢٢ شباط الماضي بدا بمثابة الردّ على رأي هيئة التشريع والاستشارات، التي أكدت الاختلاف التام بين التعبيرين. أضف إلى ذلك أن مصطلح «بالتزامن» لم يرد في القانون، ولا في مناقشات مجلس النواب، إنما ورد في الرأي الذي أصدرته الهيئة في معرض تأكيدها أن التوازي لا يعني «في الوقت نفسه»، علماً بأن الهيئة سبق أن أوضحت أن القانون ربط عملية التدقيق الجنائي بقرار يصدر عن الحكومة التي يعود لها أن تقرر متى تخضع حسابات الوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة للتدقيق في ضوء المعطيات التي تتوافر لها («تعليق السرية لمدة سنة في كل ما يتعلق بعمليات التدقيق الجنائي التي قررتها وتقررها الحكومة…»). وبالتالي، فإن الحكومة لم تصدر قراراً بالتدقيق بالإدارات والمؤسسات العامة بعد، لكنها سبق أن أصدرت في تموز قرار التدقيق بحسابات مصرف لبنان. ومن البديهي السعي إلى تفعيل العقد الذي كان موقّعاً مع شركة «الفاريز أند مارسال» للتدقيق في حسابات مصرف لبنان، من دون أن يعني ذلك عدم إمكانية توسيع العقد ليشمل باقي المؤسسات لاحقاً على قاعدة توازي الصيغ.
مسألة تعديل العقد سبق أن ناقشتها وزارة المالية مع رئاسة الحكومة. وهي كانت قد أشارت إلى أن «توسيع مهام التدقيق ليشمل جميع الأطراف المذكورة في القانون، يستدعي تعديل العقد الموقّع مع ألفاريز (18/1/2021)». وبحسب الرد المرسل من الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية إلى وزارة المالية في اليوم نفسه، فإن «المضيّ في هذا الأمر يتطلّب إيداع رئاسة مجلس الوزراء نسخة معدّلة عن العقد بتفاصيله كافة ومستوفياً الشروط والإجراءات المفروضة أصولاً». لكن بحسب المعلومات، لم تنجز وزارة المالية التعديلات على العقد، بانتظار انتهاء المفاوضات المستمرة مع الشركة ومعرفة ما إذا كانت ستستأنف تنفيذ التدقيق في مصرف لبنان أولاً.
اللافت أن النائب قاسم هاشم، أحد الموقّعين على السؤال النيابي، لم يشأ، في اتصال مع «الأخبار»، الدفاع عن مضمون السؤال، مشيراً إلى أنه لا بد من تطبيق القانون نصاً وروحاً، وكل ما عدا ذلك لن يقدّم أو يؤخّر (إشارة السؤال إلى مسألة التزامن في التدقيق). وهو أوضح أن الغاية من السؤال هي حثّ الوزارة على التدقيق في كل المؤسسات، من دون انتظار نتائج التدقيق في المصرف المركزي. وأوضح هاشم أنه بالنسبة إليه فإن بدء التدقيق في مصرف لبنان هو أولوية، مشيراً إلى أن هذا ما تم التأكيد عليه في مجلس النواب. وبالتالي، ليس مطلوباً أن يبدأ التدقيق بالتزامن بين المؤسسات المستهدفة، لكن من الضروري وضع الآلية للبدء بالتدقيق في كل المؤسسات.