الأخبار
حاكِم مصرف لبنان، رياض سلامة، يتولى تنفيذ «قرار» أخذ البلاد إلى الانهيار. فسلامة يتحمّل المسؤولية المباشرة عن انهيار سعر الصرف، لا من خلال السماح للمصارف بشفط العملة الصعبة من السوق وحسب، بل أيضاً باللجوء إلى إجراءات ساهمت في زيادة الضغط على سعر الصرف. أبرز تلك الإجراءات، الاستمرار في اعتماد ما يسمّيه «سعر المنصة» أي 3900 ليرة للدولار الواحد، يُخصص تحديداً لإعطاء المودعين دولاراتهم المودعة في المصارف، بالليرة اللبنانية. يعيد مصرف لبنان وديعة للمصارف التجارية التي تعيدها لأصحابها. هؤلاء يريدون «التقليل من الخسائر» التي أصابتهم جراء حجز دولاراتهم وانهيار سعر الصرف، فيلجأون إلى السوق لشراء الدولارات. يجري ذلك في الوقت التي لا تزال فيه المصارف ترفع سعر الدولار، رغم انتهاء المهلة المحددة لها في التعميم الأساسي الرقم 154، وخاصة لجهة تكوين حسابات في الخارج بقيمة 3 في المئة من الأموال المودعة لديها بالدولار. أحد أكبر المصارف اللبنانية بدأ منذ يوم أمس يطلب مبالغ طائلة، بالدولار النقدي، من السوق السوداء، في مقابل شيكات مصرفية. وخفّض المصرف سعر الشيك إلى 27.47 في المئة من قيمته (مقابل 274 ألفاً و700 دولار نقداً، يحرر المصرف شيكاً بقيمة مليون دولار). والمبالغ النقدية التي ستُستبدل بشيكات ستُجمع من السوق. يرفع ذلك من الطلب على الدولار، ويودي بالليرة إلى المزيد من الانهيار.
عاملون في القطاع المالي يتحدّثون أيضاً عن مشاركة أصحاب المصارف بعمليات الاتجار بالشيكات لتأمين أرباح شخصية، لا أرباح للمصارف حصراً. بليرات نقدية، يشترون شيكات بالدولار الوهمي (3 آلاف ليرة للدولار الواحد)، ثم يبيعون الشيكات بـ 3900 ليرة للدولار الواحد، مسجلين أرباحاً صافية بقيمة 900 ليرة لكل دولار، يستخدمونها لشراء دولارات نقدية (حقيقية) من السوق. تؤكد المصادر أن عدداً من أصحاب المصارف يحققون أرباحاً بما لا يقل عن 100 ألف دولار نقدي لكل منهم يومياً. عمليات مضاربة، يراكمون بواسطتها أرباحاً خيالية، يمكنهم تحويلها إلى الخارج على قاعدة أنها «دولارات فريش» لا قيود عليها. هذه الثروات المجمّعة على حساب باقي فئات المجتمع (كل انهيار إضافي لسعر صرف الليرة ينعكس تضخماً في الأسعار، ما يعني ضريبة مباشرة يدفعها عموم السكان، تصبّ في جيوب المضاربين لا في الخزينة العامة)، تُضاف إلى الأموال التي سبق أن هرّبوها إلى الخارج، عندما لاحت لهم بوادر الانهيار في السنوات الماضية.
في المقابل، القوى السياسية التي تُعدّ درع سلامة الحصين، لا ترفض حصراً دفعه إلى تغيير أدائه، بل تشدّد إجراءات الحماية السياسية له في عز الانهيار، وآخرها قيام مجموعة من النواب بممارسة الضغط على الحكومة في موضوع التدقيق الجنائي، بينهم اثنان من كتلة «التنمية والتحرير» (راجع صفحة 4).
أما على الخط الحكومي، فليس الوضع أفضل حالاً. الرئيس المكلف سعد الحريري يستعدّ للقيام بجولة خارجية، استكمالاً للزيارات السابقة، فيما الخلاف لا يزال كبيراً بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ إن كلاً منهما باقٍ على شروطه. وبينما جرى التسويق لمعلومة أن الحريري «في مجالسه بدا أكثر ليناً وأنه يطلب الاستعجال لتأليف الحكومة، لكن بمخرج لا يُظهره منكسراً»، نفت أوساط سياسية مطّلعة هذا الأمر، مؤكدة أن «الرئيس الحريري لا يقلّ عناداً عن عون والوزير جبران باسيل وأنه ليس في وارد التراجع»، مشيرة إلى أن «لا جديد في هذا الملف ولا اتصالات يُبنى عليها».
ومع استبعاد تراجع الجهات المتصارعة عن قناعاتها، تستقيل حكومة تصريف الأعمال من دورها في مواجهة الأزمة، إذ فشلت اللجنة الوزارية التي اجتمعت منذ أيام في إيجاد آلية «ترشيد» واضحة للدعم، وخاصة أن رئيس الحكومة حسان دياب كان حاسماً لجهة أنه لن يذهب الى خيار إلغاء الدعم، ولا سيما أن تداعيات هذا الخيار ستكون كارثية لأنها ستؤدي الى ارتفاع أسعار المحروقات والأدوية والمواد الغذائية بشكل جنوني، وهذا يعني أن المبالغ التي يمكن أن تخصص لدعم الأسر الأكثر فقراً لن تكفي لتأمين الحد الأدنى من السلع الحيوية.