الوقت- أصدر رئيس السلطة الفلسطينيية، محمود عباس، في 15 كانون الثاني 2021، مرسومًا رئاسيًّا حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ 15 عامًا، التي تنظم فيها مثل هذه الانتخابات. وحُدِّد يوم 22 أيار 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، ويوم 31 يوليو/تموز 2021 للانتخابات الرئاسية، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن يتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 آب 2021.
هذا التوافق الفلسطيني بين حركتي “فتح” و”حماس” حول إجراء الانتخابات جاء رداً على خلفية مخطط الكيان الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية ورداً على اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة.
موقف الاحتلال من الانتخابات
يمكن القول إن الاحتلال الاسرائيلي يؤثر بشكل كبير في توفير أو عدم توفير البيئة التي ستسمح بتطبيق مرسوم الانتخابات؛ حيث إن الكيان الاسرائيلي يحتل القدس والبلدات والقرى الفلسطينية المحيطة بها، كما أن المدن والتجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة الغربية تعد مسرحاً للعمليات اليومية التي ينفذها جيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية؛ عبر ممارسة الاعتقالات اليومية لنشطاء فلسطينيين بحجة الانتماء إلى هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك.
وعلى الرغم من عدم صدور أي موقف رسمي من جانب الكيان الصهيوني، إلا أن الكيان الإسرائيلي أعلن أكثر من مرة رفضه السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة. وفي الوقت ذاته، ترى الجهات الأمنية في الكيان الإسرائيلي أن السماح بإجراء انتخابات يمكن أن تفوز بها حركة حماس أو تحقق فيها مكاسب كبيرة يعد مخاطرة كبيرة بالنسبة للكيان، لأنه قد يوفر الظروف والأرضية التي قد تسمح للحركة بتدشين بنى عسكرية على غرار تلك القائمة في قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، التاريخ يؤكد أن الكيان الإسرائيلي دائماً كان يعمل على إفشال أي تحرك فلسطيني لإنهاء الانقسام الداخلي ويفضي إلى استعادة الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة. وعلى سبيل ذلك نذكر الدور الذي لعبه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في إحباط تطبيق اتفاق المصالحة الذي توصلت إليه كل من حماس وفتح، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، في القاهرة.
تحركات للاحتلال لمنع حماس من المشاركة
مع قرب موعد الانتخابات الفلسطينية، صعد الكيان الاسرائيلي من تحركاته لمحاولة عرقلة إجراءات المصالحة، وتعطيل العملية الانتخابية، حيث نفذ حملات اعتقال واسعة بحق قيادات في حركة حماس في الضفة الغربية، ففي مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) تم اعتقال النائب السابق عن حركة “حماس” ياسر منصور، والقيادي بالحركة عدنان عصفور، وهما من أبرز قادة حركة حماس بالضفة الغربية. وجاء ذلك بعد اعتقال قياديين آخرين الأسبوع الماضي في مدينة جنين هما: عبد الباسط الحاج، وخالد الحاج.
ولعل أبرز من تم اعتقالهم هو القيادي في حركة حماس حسن يوسف، الذي كان له دور في انطلاق حوارات المصالحة الأخيرة، التي أفضت للتوافق على عقد الانتخابات.
وتأتي الاعتقالات بعد عشرات الاستدعاءات والاتصالات الهاتفية للمخابرات الإسرائيلية مع قيادات وعناصر “حماس” تحذرهم فيها من خوض الانتخابات بأي شكل من الأشكال.
كما استدعت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام القيادي في حركة حماس الأسير المحرر الشيخ عمر البرغوثي “أبو عاصف”، والذي يقطن بلدة كوبر التابعة لمدينة رام الله، والذي خرج قبل أسابيع قليلة من الأسر، الاستجواب جرى في مركز عوفر الاعتقالي، حيث وجه ضابط إسرائيلي تحذيراً لـ أبو عاصف من الترشح للانتخابات القادمة، وهدده بالسجن والملاحقة.
كما حذرت المخابرات الإسرائيلية، نايف الرجوب، القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالضفة الغربية، ووزير الأوقاف الأسبق، من الترشح لانتخابات المجلس التشريعي القادم. جاء ذلك خلال اقتحام قوة عسكرية إسرائيلية لمنزله في بلدة دورا، غربي مدينة الخليل.
وقال الرجوب (63 عاماً) “حاصرت قوة عسكرية منزلي، وقام الجنود بتفتيشي، ثم طلب ضابط المخابرات الحديث معي، وأخذ يحذر ويتوعد في حال شاركت في الانتخابات”. وأضاف “أبلغني الضابط بمنع العمل للانتخابات أو الترشح لها حتى لو في قائمة عشائرية، والمسموح فقط الذهاب للصندوق والتصويت يوم الاقتراع”.
ويعتبر الرجوب، من أبرز قادة حركة حماس بالضفة الغربية؛ وهو شقيق جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وسبق أن حصل الرجوب على أعلى الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي عن دائرة مدينة الخليل عام 2006. وشغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الدينية، في الحكومة الفلسطينية العاشرة، برئاسة إسماعيل هنية، التي شكلتها حركته عقب فوزها بالانتخابات.
رد حركة حماس على ضغوطات الاحتلال
حذرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، من أن التدخل السافر للكيان الإسرائيلي في الانتخابات الفلسطينية المنتظرة قد يحول دون إجرائها في مواعيدها.
وقالت الحركة في بيان لها أن “الاحتلال يتدخل بشكل سافر في العملية الانتخابية سواء بحملات الاعتقال ضد رموز الحركة وقياداتها في الضفة الغربية، أو من خلال ممارسة الضغط على قيادات أخرى وتحذيرها من الترشح للانتخابات”. وأضافت: “نعلم يقيناً أن الاحتلال يسعى لتفصيل الانتخابات ونتائجها على مقاسه، وهو ما لا يمكن أن يظفر به”.
كما دعت حركة حماس السلطة الفلسطينية والقوى الوطنية والمقدسيين في الضفة الغربية، إلى “التحرك على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية لوقف هذا التدخل، والمشاركة في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً”.
تدخلات عربية وحركة فتح ترفض التدخل العربي الإسرائيلي
قال اللواء جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، أن بعض الدول العربية التي وصفها بـ “المهرولة” حاولت التدخل في مسار الحوار الفلسطيني الهادف لإنجاز الانتخابات، وأكد أن حركة فتح رفضت ذلك بشكل كامل، كما أضاف أن الحركة ستبدأ قريباً بوضع المعايير واختيار مرشحي الحركة للانتخابات البرلمانية المقبلة.
كما أعلن الرجوب أن حركة فتح حريصة على استقلالية قرارها فيما يتعلق بمجريات الحوار، وقال “تم تلقي بعض الرسائل من بعض الدول تحاول التدخل في مسار الحوار بما فيها بعض الدول المهرولة، إلا أن فتح موقفها واضح ولا تأخذ توجيهات من أي عاصمة”.
ولم يكشف الرجوب عن تلك الدول “المهرولة”، وبدا أنه يقصد دولة من دول حظيرة التطبيع التي وقعت مؤخراً اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، غير أن حديث الرجوب جاء بعد أنباء ترددت مؤخراً، حول وجود تحركات تقودها الإمارات ، من أجل الضغط على حركة فتح، لإعادة محمد دحلان القيادي المفصول من الحركة، وترشيحه وآخرين من مقربيه على قائمة فتح في الانتخابات البرلمانية.
الرجوب حذر أيضأ من أن الاحتلال سيسعى لـ “تسميم الأجواء لإفشال الانتخابات”، وأضاف “يجب تعزيز الحصانة والمناعة، وأن نقدر هذا الزحف في تسجيل الانتخابات وأن نزيد نسبته، والعمل على زيادة نسبة الاقتراع لأن هذا فيه رسالة للاحتلال بأننا مع الإجماع الوطني وإنهاء الانقسام، بغض النظر عن القائمة التي سيصوتون لها، معبراً عن سعادته بالاستجابة الطبيعية في التسجيل.
وأكد أن الانتخابات “شكل من أشكال الصدام مع الاحتلال الذي لا يريدنا أن نتوحد، ويتطلع أن تفشل الانتخابات”، وتابع “ بالوحدة وتمسكنا بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية سيرى العالم أننا ضحية والاحتلال ظالم”.
يبدو أن التفاهم (الفلسطيني – الفلسطيني) هذه المرة هو أقوى من كل ممارسات الكيان الصهيوني وأذنابه من المطبعين، فالجميع يعلم أن ممارسة الاحتلال هذه قد تؤدي إلى إفشال الانتخابات وهذا لن يكون خسارة لحماس فحسب بل للقضية الفلسطينية برمتها لذلك من واجب كافة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم حركة فتح النظر إلى حركة حماس على أنها شريك وحليف سياسي والعمل على إفشال مخططات الصهاينة ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الكيان الصهيوني للافراج عن معتقلي حركة حماس، والتركيز على إنجاح الانتخابات أي كانت نتائجها لأن في إنجاح الانتخابات رسالة واضحة بأن القضية الفلسطينية لم تمت ولا زالت حية في عقول وقلوب الفلسطينيين شاء من شاء وأبى من أبى.