الوقت- دخلت اتفاقية الشراكة الشرقية الشاملة والمعززة بين الاتحاد الأوروبي وأرمينيا (CEPA)، حيز التنفيذ بعد أن تم التصديق عليها من قبل جمهورية أرمينيا وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، وهذا يعتبر علامة بارزة في مسار العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأرمينيا.
من جهتها، أكدت المفوضية الأوروبية، أن هذه الاتفاقية توفر منهجية ثابتة للعمل والتعاون بين الاتحاد الأوروبي وأرمينيا في مجموعة واسعة من المجالات أهمها تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان؛ وخلق المزيد من الوظائف وفرص العمل، وتحسين التشريعات، والسلامة العامة، والتعهدات البيئية، فضلاً عن تحديث التعليم وفرص للبحث وتساهم هذه الأجندة الثنائية أيضاً في تحقيق الهدف العام للاتحاد الأوروبي لتعميق وتعزيز علاقاته مع دول الجوار الشرقي من خلال إطار الشراكة الشرقية.
وفي هذا السياق، قال ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل : “يأتي دخول اتفاقية الشراكة الشاملة والمعززة حيز التنفيذ في وقت تواجه فيه أرمينيا تحديات كبيرة، فهي توجه إشارة قوية مفادها بأن الاتحاد الأوروبي وأرمينيا ملتزمان بالمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، فضلاً عن أجندة إصلاح أوسع”.
كما أضاف: ” تهدف اتفاقيتنا إلى إحداث تغيير إيجابي في حياة المواطنين، عبر المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والقطاعية الأخرى، للتغلب على التحديات التي تواجه أجندة الإصلاحات في أرمينيا”.
المفوض الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع أوليفر فاريلي قال إنه “في الوقت الذي تمر فيه أرمينيا بهذه الأوقات العصيبة، يواصل الاتحاد الأوروبي الوقوف إلى جانب الشعب الأرمني، حيث سيسمح لنا بدء تنفيذ الاتفاقية الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وأرمينيا في 1 مارس بتعزيز عملنا في الاقتصاد والاتصال والرقمنة والتحول في مجالات ذات أولوية، ستكون لها فوائد ملموسة للناس وستكون أساسية للانتعاش الاجتماعي والاقتصادي وقدرة الدولة على الصمود على المدى الطويل. ففي الأيام المضطربة الحالية، يعد الحفاظ على الهدوء واحترام الديمقراطية والنظام الدستوري أمراً أساسياً “.
ما هو اتفاق الشراكة الشرقية وكيف تم؟
بعد مناقشات طويلة دامت سنوات عدة حاولت من خلالها جمهورية أرمينيا التقرب من الاتحاد الأوروبي. تمكنت في النهاية من توقيع اتفاق الشراكة الشرقية بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي في 24 تشرين الثاني 2017 خلال القمة الخامسة للاتحاد الأوروبي للشراكة الشرقية في بروكسل، وتعد هذه الاتفاقية مهمة جداً لأنه ولأول مرة يتم التوقيع على اتفاق بين الاتحاد الأوروبي مع دولة عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ وتشمل الاتفاقية تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية الشاملة، والتعاون على أساس القيم العامة والروابط الوثيقة، لرفع مستوى مشاركة جمهورية أرمينيا في سياسة الاتحاد الأوروبي وبرامجها ووكالاتها. إضافة الى أنها تشمل تعزيز التعاون الوثيق في مجالات النقل والتنقل والطاقة والتجارة والاستثمار. ويحدد الاتفاق القيم التي سيلتزم به الاتحاد الأوروبي ودول الشراكة الشرقية في السنوات المقبلة، ويرسم آفاق التعاون المستقبلي في المجالات السياسية والانسانية وغيرها.
وكان مشروع الشراكة الشرقية قد بدأ عام 2009 لنشر القيم الأوروبية في الجمهوريات السوفييتية سابقاً، وهي: أرمينيا وأذربيجان ومولدوفيا وأوكرانيا وجيورجيا وبلروسيا.
تعهدات الجانبين وفق الاتفاقية
في القطاع الاقتصادي، ستلتزم أرمينيا بتغيير قوانينها وسياستها الاقتصادية والمالية لتتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي تدريجياً. وهذا يغطي الالتزام في تنظيم الأعمال التجارية والزراعية والنقل والبيئة و حماية المستهلك والطاقة.
كما سيلتزم الاتحاد الأوروبي بالدعم الاقتصادي جدياً، والإسهام في الاستثمارات في أرمينيا إن تمكنت الأخيرة من إجراء التزاماتها في هذا الاتفاق.
كما يشمل الاتفاق مواد خاصة بالأعمال صغيرة ومتوسطة الحجم، والائتمان بالعملة المحلية، ما يدفع الى تطوير الاقتصاد في أرمينيا. وسيتم اتخاذ خطوات عملية مشتركة بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي من أجل تفعيل الاتفاق.
ومع إتمام الاتفاق، سيبدأ الاتحاد الأوروبي المباحثات مع أرمينيا حول قضية تحرير تأشيرات الدخول. ومن المزمع أيضاً التعاون في قضايا اقتصادية وسياسية وأمنية أيضاً، ففي إطار منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لا توجد التزامات بالقضية الأمنية، بذلك يمكن لأرمينيا عقد اتفاقات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي. ولذلك تتمحور التزامات الاتحاد الأوروبي حول مساعدة أرمينيا في مجال الأمن، ما سيعود بفائدته على أرمينيا، بالإضافة الى تخفيف الحواجز غير الجمركية المفروضة على تجارتهما.
تم تدوين الاتفاق بوثيقة تتألف من 357 صفحة، تتناول التعاون السياسي والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. وتعزيز الديموقراطية والاستقرار الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي في أرمينيا، حيث سيقوم الاتحاد الأوروبي بمساعدة أرمينيا على الحفاظ على حقوق الإنسان وإصلاح النظام القضائي.
كما ينص الاتفاق على تكثيف الحوار والتعاون بين الطرفين في مجال السياسة الخارجية والأمنية بما في ذلك الدفاع والأمن المشترك. والنقطة الأبرز في الاتفاق هو تعزيز السلام والاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي، لاسيما توحيد الجهود لإزالة مصادر التوتر، عبر تقوية الأمن الحدودي، وعلاقات التعاون الحدودية وحسن الجوار.
كما يركز نص الاتفاق على ضرورة التزام أرمينيا في التسوية السلمية طويلة الأمد لنزاع كاراباخ الجبلية، وضرورة الوصول الى الحل من خلال عمل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بالإضافة الى التزام الاتحاد الأوروبي بدعم عملية التسوية.
ردود الأفعال على الاتفاقية
إن هذا الاتفاق جاء نتيجة توافق بالاجماع بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وأن دول الشراكة رحبت باتفاق الشراكة الموسع مع أرمينيا، وقد كان الاتحاد الأوروبي قد وقع سابقاً اتفاقات مع جيورجيا مولدوفا وأوكرانيا.
أما روسيا، كانت قد أعربت عن ارتياحها لهذا الاتفاق وقالت أن علاقة روسيا مع الدول عامة، ولاسيما أرمينيا، تقوم على تطوير علاقاتها على أساس المصالح المشتركة، وقالت الخارجية الروسية حينها: “نتفهم أن كل دولة لديها مصالحها السياسية الخارجية وأهدافها وقضاياها، ونتعامل مع ذلك باحترام”.
ولذلك أبرز ما يمكن القول عن توقيع أرمينيا للوثيقة هو أنه لأول مرة دولة حليفة لروسيا تقوم بتوقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
وبالنتيجة، يعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ أهم مرحلة في تاريخ العلاقات بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي. وبهذا الاتفاق أصبحت أرمينيا أول دولة عضو في منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي توقع اتفاقاً موسعاً مماثلاً مع الاتحاد الأوروبي، لتنجح بذلك في دمج مصالح الشركاء الجيوسياسيين. ويمكن أن يكون الاتفاق رسالة واضحة إلى تركيا لتكف عن تدخلها إلى جانب أذربيجان في مضايقة الحليف الجديد للاتحاد الأوروبي ألا وهو أرمينيا. ومن المتوقع أن يكون هذا الاتفاق هو البوابة التي يعود منها الاتحاد الأوربي إلى دول الشرق الأوروبي وخصوصاً دول الاتحاد السوفييتي السابقة.