الوقت- في ظل الإشارات المريبة الصادرة عن الإدارة الأمريكيّة، برئاسة جو بايدن تجاه الدول الخليجیة، والتساؤلات الكثيرة حول مصير الصداقة والشراكة بين واشنطن والدول الخليجيّة، كشفت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، أنّ دولة الإمارات تعمل على تقليص دورها في الصراعات الخارجيّة، وتقوم بتسريع وتيرة التخلي عن السياسات التي اتبعتها بعد أحداث “الربيع العربيّ” عام 2011.
وفي هذا الصدد، أفادت الوكالة الأمريكية في مقال لها نقلاً عن 5 مصادر مطلعة لم تسمّهم، قولهم إنّ أبو ظبي خفضت بشكل ملموس الدعم العسكريّ واللوجيستيّ الذي تقدمه لقوات اللواء الليبيّ المتقاعد خليفة حفتر، كما أنّ الإمارات تقوم كذلك بتفكيك أجزاء من قاعدتها العسكريّة في ميناء “عصب” بإريتريا، وتقوم بإجلاء قوات ومعدات كانت تستخدمها لدعم التحالف العربيّ الذي تقوده الرياض في اليمن.
وفي هذا الشأن، ربطت “بلومبيرغ” بين التحركات الأمريكيّة الأخيرة ووصول الرئيس الأمريكيّ جو بايدن إلى البيت الأبيض، وما يعنيه ذلك من إعادة ضبط العلاقات مع الحلفاء الخليجيين، بالتزامن مع تحليلات تتحدث عن إشارات مريبة وغير مطمئنة وأحياناً عدائيّة من إدارة بايدن تجاه الدول الخليجيّة، بالاستناد إلى أنّ بايدن أشار إلى أنّه سيكون أقل تسامحاً مع انخراط حلفاء واشنطن في صراعات تقوض أهداف الولايات المتحدة.
ورغم عدم وجود أي تعليق إماراتيّ رسميّ على تلك الأنباء، إلا أنّ أبو ظبي ادعت في وقت سابق أنّها لم تقم بتزويد حفتر بالأسلحة، في حين رحبت بدعوة مجلس الأمن الدوليّ للقوات الأجنبيّة للانسحاب من الأراضي الليبية، مبدية دعمها للسلطة الجديدة في ليبيا، حيث إنّ العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة ظلّت استراتيجيّة لأكثر من 4 عقود وتمتعت العلاقة بين الدولتين بعلاقات وثيقة رغم تغير الإدارات الأمريكيّة.
ومع تغير المصالح السياسيّة التي لا تمتاز بالاستمراريّة وتتغير من زمن لآخر، يرى محللون أنّ الإمارات تعيد تقييم أساليبها، وتميل أكثر نحو الدبلوماسيّة، والعمل من خلال وكلاء محليين، باعتبار أنّ أسلوب تحقيق المصالح يتغير من زمن لآخر، وفي هذا السياق، ذكر الخبير السياسيّ في المجلس الأوروبيّ للعلاقات الخارجيّة، طارق مجريسي، لوكالة بلومبيرغ الأمريكيّة، أنّ هناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة، والإماراتيون بحاجة إلى ما أسماه “تصحيح المسار”، وبالتزامن مع ترشح أبو ظبي لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدوليّ التابع لمنظمة الأمم المتحدة، للفترة الواقعة بين عامي 2022 و 2023، قال مجريسي إنّ الإمارات بحاجة إلى توخي الحذر بشأن صورتها، وخاصة في العام الذي تتطلع فيه إلى الانضمام للمجلس.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّ قرار أبوظبي تخفيض بصماتها العسكريّة في الخارج، والذي بدأ في عهد الرئيس الأمريكيّ السابق دونالد ترامب، جاء وسط التهديدات المتكررة التي كادت أن تدخل منطقة الخليج الفارسي في نزاع شامل، بتداعيات على إمدادات النفط، ووضع دبي كمركز للنشاط التجاريّ، وأشار التقرير الأمريكيّ إلى أن انتشار فيروس كورونا وما رافقه من انهيار لأسعار النفط، كشفا عن ضعف الدولة الخليجيّة الصغيرة التي حاولت التوسع أكبر من حجمها على المسرح العالميّ.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الإمارات سعت منذ بدء ما سميّ بـ “الربيع العربيّ” عام 2011، إلى تحييد الإسلام السياسيّ والدول المتحمسة خوفاً من أن يتأثر نظامها السياسيّ، وفي الوقت الذي لم تتخل فيه أبوظبي عن هذا الهدف، أعادت التركيز على السياسة أكثر من التدخلات العسكريّة المحفوفة بالمخاطر، والعمل عبر جماعات وكيلة لها على الأرض.
وإنّ المنهج الإماراتيّ للتخفيف من التدخل في النزاعات الخارجيّة تزامن مع إعفاء وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش من منصبه، وتعيينه بمنصب دبلوماسيّ استشاريّ، وعُيّن بدلاً منه خليفة شاهين المر، الذي عمل في السابق سفيراً لبلاده في تركيا وسوريا وإيران، ما يدل على محاولات إماراتيّة لإصلاح العلاقات مع تلك الدول.
ويتمثل التدخل الخارجيّ الأبرز للإمارات في الحرب على اليمن، حيث ساهمت أبو ظبي بدعم العدوان الذي قادته السعودية، وفشلت بعد ستة أعوام من تحقيق أهدافه، والذي أد إلى “أكبر كارثة إنسانيّة” في العالم وفق توصيف الأمم المتحدة، فيما يطالب بايدن الآن بوقف الحرب، وعلّق صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات.
وما ينبغي ذكره، أنّ الإمارات بدأت بتخفيض وجودها في اليمن منذ عام 2019، لكنها استمرت في دعم الجماعات الانفصاليّة في الجنوب، كما بدأت بتخفيض وجودها في القرن الإفريقيّ الذي استثمرت فيه خلال السنوات المنصرمة بالجهود الدبلوماسيّة وبناء القواعد العسكريّة، وساعدت بالمصالحة بين إريتريا وإثيوبيا لتوسيع تأثيرها.