قاسم قصير – أساس ميديا
لم تمضِ ساعات قليلة على اللقاء الشعبي الكبير الذي أحتضنته بكركي بعد ظهر السبت الماضي، لدعم مواقف البطريرك مار بشارة الراعي، حتى بدأت تردّدات اللقاء تتفاعل في كل المناطق اللبنانية، وخصوصًا في البيئات القريبة من حزب الله وحركة امل، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالردود على مواقف البطريرك، واتّسمت الردود بالقسوة والحدّة، وتم نبش التاريخ والمعلومات حول تاريخ البطريركية ودورها في كل المراحل، منذ نشوء الكيان اللبناني وحتى اليوم.
لأول مرة في تاريخ علاقة حزب الله بالبطريركية المارونية، لم ينتظر الحزب وقتًا طويلًا لإطلاق الردود الواضحة والصريحة ضدّ مواقف البطريرك الراعي، وجاء الردّ صباح يوم الأحد على لسان عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور حسن فضل الله في حوارتلفزيوني على قناة LBCI، وأعلن فضل الله رفض الحزب الصريح للدعوة إلى مؤتمر دولي أو الحياد، مفنّدًا ذلك بشواهد سياسية وتاريخية. ورغم قسوة الرد على الراعي فقد حرص فضل الله على التأكيد أنّ “الحوار لم ينقطع مع بكركي، وجرت زيارات عدة للبطريرك بعد زيارته القدس، كما أنّ التواصل بين أعضاء لجنة الحوار بين بكركي وحزب الله مستمر، لكنّ ظروف كورونا منعت اللقاءات المباشرة، وستعاد اللقاءات قريبًا”.
ولم يقتصر الردّ على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقف النائب فضل الله، بل شنّ المفتي الجعفريّ الممتاز الشيخ أحمد قبلان حملةً قاسية على مواقف الراعي، وصدرت مواقف مندّدة أيضًا من “تجمّع العلماء المسلمين”، ومن العديد من الأحزاب والشخصيات الحليفة لحزب الله، وإن كانت أوساط الحزب ركّزت على مواقف الشخصيات المسيحية التي ردّت على بكركي بقسوة، وذلك لمنع تحوّل السجال إلى سجال شيعي – ماروني وجعله قضية وطنية.
مصادر مطلّعة على العلاقة بين الحزب وبكركي قالت لـ”أساس” إنّ “ما جرى في بكركي يوم السبت، حمل إشارات سلبيةً بسبب الشعارات التي رُفعت ضد الحزب ووصفه بالإرهاب، وعدم قيام البطريرك بالردّ على من رفع الشعارات، على الرغم من صدور توضيح لاحق من بكركي يتنصّل من تلك الشعارات”.
وتضيف المصادر أنّ “ما يطرحه البطريرك اليوم من مواقف ومبادرات، سيؤدي إلى إيجاد مشاكل جديدة في البلاد، ولن يكون وسيلة للوصول إلى الحلول، لأنّ كل ما يطرحه يحتاج إلى توافق وطني وداخلي، والعالم اليوم مشغول بقضاياه، ولبنان ليس من أولويات الدول الكبرى، وهناك ملفات أخرى تتقدّم الاهتمام، ومنها الملفّ النووي الإيراني، واليمن والسعودية، ولذا ليس هناك أيّ مجال لعقد مؤتمر دولي حول لبنان اليوم”.
وتشير المصادر إلى أنّه خلال اللقاء الذي أجراه البطريرك الراعي مع السفير الإيراني في بيروت، طلب منه التدخل لترتيب لقاء مع الحزب، لكنّ حزب الله رفض ذلك، لأنه لا يحتاج إلى تدخّل إيراني للّقاء مع البطريرك، والتواصل يكون مباشرًا معه، وتسأل المصادر: “هل إذا عُقد لقاء دوليّ حول لبنان، يمكن أن تشارك فيه إيران، ومن هي الدول التي ستشارك في مؤتمر كهذا؟”.
لكن على الرغم من حملة قاسية بوجه البطريرك شنّتها البيئة القريبة من الحزب، ورفض الحزب مواقف الراعي، إلا أنّ المصادر المعنيّة بالعلاقة بين الحزب وبكركي تؤكد أنّ “الحوار لم ينقطع وهناك دراسة في تحديد موعد للجنة الحوار قريبًا، ويمكن أن يمهّد ذلك لعقد لقاء موسّع بين وفد من الحزب والبطريرك، بعد أن تكون الأجواء قد هدأت”.
لكنّ بعض الأوساط السياسية والقريبة من بكركي تتخوف من أن تؤدي السجالات والحملات ضد بكركي، إلى توتير الأجواء في البلد ودخول جهات سياسية وحزبية على الخطّ، واحتمال حصول توترات أمنية في بعض المناطق. وقد برز بعض هذه المخاوف على خطوط التماس السابقة بين عين الرمانة والشياح، ما دفع قيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية إلى اتّخاذ الإجراءات المناسبة لمنع أيّ احتكاك. كما شهدت شوارع ضاحية بيروت الجنوبية مسيرات على الدراجات النارية للتنديد بمواقف الراعي ولدعم المقاومة.
في الخلاصة فإنّ أجواء التوتر والتشنج قائمة بين بكركي وحارة حريك، فهل يفتح التصعيد المتبادل باب الحوار مجددّا؟ أم إنّ هناك تخوّفات من تطورات غير منظورة قد تدفع البلاد نحو المزيد من التدهور؟