عيسى بو عيسى
اهم ما يمكن وصف خطاب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بأنه شكّل نقلة نوعية في علاقة «بكركي» مع «حزب الله»، إذ أنه كان خطاباً حاد النبرة بشكل غير مسبوق يهدف الى تسجيل موقف سياسي حاسم من سلاح «الحزب» مرتكزاً على دعوة من قبل بعض اللبنانيين لمحاربته.
وانطلاقا من هذا التوصيف تقرأ اوساط نيابية في كلام البطريرك الراعي والذهاب من خلاله نحو الحديث عن الحياة السياسية في لبنان التي يبدو أنها ستكون ما بعد الخطاب مختلفة عما قبله، اذ ان الراعي شرّع أبواب البعض من الجبهة السياسية المسيحية في مواجهة حزب الله وهو الذي صمد طويلا في محاولات تجميل خطاباته السابقة كي لا تستهدف الحزب بشكل مباشر، غير أنه في الأمس وجد نفسه مضطراً الى إطلاق سهامه مباشرة نحو الضاحية الجنوبية.
وتضيف الاوساط عينها إن بكركي، وبعد خطاب البطريرك الراعي ستصبح في المرحلة المقبلة مركزاً أساسيا تُحدّد عبره البوصلة السياسية لبعض الأحزاب المسيحية من خصوم الحزب، كما أن بعض الوفود التي زارت بكركي وشاركت في التحركات دعماً لمواقفها أوحت بأن جزءا من الناشطين في الحراك الشعبي سينضمون الى هذه المنظومة التي ستتحرك بالتناغم مع مواقف الصرح البطريركي ، لكن سيد بكركي يعي تماما أين يضع قدميه خصوصا في المكان البعيد عن «أوبئة» الطبقة السياسية وللذين سيستغلون مواقفه ممن دخل على الساحة اللبنانية ليس إنضماما الى طروحات بكركي بقدر العمل على تصفية بعض الحسابات بين الاطراف وهذا ما يجعل الراعي شديد اليقين الى هذه الامور .
وتعتقد هذه الاوساط ان المواجهة السياسية قد تتوسع في الأيام المقبلة خصوصا وان بكركي لن تكتفي بتحركات الاحد الماضي التي لن تكون خاتمة المسار الذي بدأته بُعيد انفجار مرفأ بيروت، بل هي محطة من المحطات التي يسعى من خلالها الراعي لحشد دعم داخلي أولاً ودولي بالدرجة الثانية من اجل حل الأزمة اللبنانية.
وترى الاوساط أن احدى نقاط القوة لدى البطريرك حاليا تتظهّر بعدم رغبة خصومه في الساحة المسيحية وبشكل أساسي التيار الوطني الحر والعهد الدخول في مجابهة علنية معه، الامر الذي من شأنه أن يعطيه هامشاً واسعاً في الحركة السياسية ، وحتى المهللين المقربين مما طرحه لدى الكرسي البطريركي لديه «نقزة» منهم على وجه الخصوص وهو لن يسمح بعملية إختباء حزبية في عباءة بكركي على الاطلاق كي لا يشكل هؤلاء خطوة ناقصة أو ذهاب نحو أفق طائفي، ذلك ان بكركي ومنذ اللحظة الاولى وضعت الاطار العام لتحركها وهو الإطار الوطني الجامع .
وتشير الاوساط الى ان التجمع الذي انضمّ الى بكركي أمس سيتبلور تدريجيا ويتوسّع حتى يتّخذ له هوية أوضح مع مرور الوقت لكنها مغايرة تماما لما حصل في أيام سلفه الراحل مار نصر الله صفير من تشكيل « لقاءات « تعمل تحت العباءة البطريركية ونضوج الانقسام السياسي حيال الطروحات الجازمة التي أطلقها الراعي في خطابه.
وتقول هذه الاوساط ان خطاب البطريرك الراعي فتح باب النقاش الجدّي حول ملفّات حسّاسة في لبنان منها وجود حزب الله في سوريا ومشاركته بالصراع الدائم في الاقليم، وان كان الراعي لم يذهب بوضوح الى الحديث عن هذه العناوين لكن مفهوم الحياد يصيبها بشكل ظاهر ، ومن هُنا يبدو أن المرحلة القادمة سترفع الستار عن مواجهة بعض الاحزاب المسيحية التي تستظّل ببكركي مع حزب الله على المستويين السياسي والاعلامي ما قد ينتج عنها مفاعيل شديدة في الانتخابات النيابية المقبلة، لكن الراعي لن يضع الامور تصل الى هذا الحد خصوصا مع إيقاظ لجنة الاتصالات بين بكركي والحزب وهي بدأت بالفعل عملها وستكون لها زيارة قريبة الى بكركي بعد نضوج الاجواء .