الضربة الأميركية الأولى في عهد بايدن رسالة الى مَن؟ ولماذا أذنت واشنطن بالتصوير الجوي لمنشآت ديمونا في النقب؟
} عمر عبد القادر غندور*-البناء
هل من علاقة بين الضربة الأميركيّة للمنطقة الحدودية بين سورية والعراق وبين التحضير لجولة محادثات ممكنة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد شهر من وصول بايدن إلى البيت الأبيض؟
ما أهداف هذه الضربة التي يمكن أن تكون لها تداعيات، والتي وصفتها الحكومة السورية بالعملية غير المبرّرة وتعارضها مع القانون الدولي؟
وهل هذه الضربة هي رسالة الى إيران قبل التفاوض معها على الملف النووي؟
وإذا كان بايدن يريد «بضربته هذه» أن يُرعب إيران فهو مخطئ لأنّ الإيرانيين تحمّلوا «رذالات» ترامب وخاصة في السنوات الثلاث الماضية ورفضوا التحدّث إليه قبل الرجوع الى ما قبل التوقيع على الاتفاق 5+1 النووي .
وهل يعتقد بايدن أنه بمثل هذه الحشرجات يمكن أن يهزّ أعصاب الإيرانيين؟
وهل الردود الإيرانية المسرّبة والمُتشدّدة حول تمسكها بشروطها حول الملف النووي استدعت مثل هذه الرسالة الأميركية؟
يوضح باحثون سياسيون انّ رسالة الولايات المتحدة من بين أهدافها ما هو موجّه الى الداخل في العراق وإيران وسورية، حيث بدأ الجيش السوريّ عملية تمشيط في البادية السورية خلافاً لما تريده الولايات المتحدة.
ويلاحظ انّ الموقف الروسي بدا واضحاً من تغيير لهجته إزاء الولايات المتحدة، اذ كانت بيانات وزارة الخارجية الروسية منذ شهر أكثر ديبلوماسية واختياراً للكلمات المطاطة، لكن هذا الموقف تغيّر أخيراً استناداً الى موقف لافروف الذي أعلن أنّ وجود القوات الأميركية في سورية غير شرعي وغير قانوني، ونحن ننسّق معهم لعدم التصادم لكن لا نعترف بوجودهم، مؤكداً انّ تبليغنا قبل أربع دقائق من القصف الأميركي الأخير يُعتبر مهزلة وما هو إلا محاولة لتحميلنا جزءاً من المسؤولية وهذا مرفوض تماماً .
واعتبر ناشطون روس انّ هذه الضربة تؤكد وجود رئيس جديد وسياسة قديمة، وانّ صبر ائتلاف المقاومة ضدّ الإرهاب، والذي يشمل روسيا وإيران والعراق والمقاومة وربما الصين، ما سيكون واضحاً للولايات المتحدة التي تدرك تماماً أهمية منظومة الدفاع الجوي لسورية، ويعرف أنّ هذا الدفاع الجوي قادر بالمعنى الكليّ وهو ما جرّبه البريطاني والفرنسي والصهيوني.
ولكن هناك سؤالاً آخر بنكهة روسية:
هل ستكتفي سورية بالدفاع الجويّ؟
على الأرجح أنّ هذه الضربة لم تكن موفقة في توقيتها خاصة بعد الكشف عن التقرير الأميركيّ بشأن مقتل جمال الخاشقجي واتهام ولي العهد السعودي بقتله، ولما سيكون من تداعيات وخاصة تلك المتعلقة بجبهة اليمن المشتعلة، ومصير القوات الأميركيّة في العراق المضطرب، وبالتالي فهناك تردّد أميركي بشأن العودة الى الاتفاق النوويّ ويعلم بايدن أنّ ترامب فشل في تركيع إيران عبر استخدام سياسة الضغوط القصوى. ومن مظاهر هذا التردّد، كلمته أمام مؤتمر ميونيخ للأمن حيث قال إنّ إدارته مستعدة للانخراط مجدّداً مع شركاء دوليين بشأن برنامج إيران النووي، ولكنه على ما يبدو يريد أن يحصل على شيء مما لم يحصل عليه ترامب من إيران.
مثل هذا الهدف لا يمكن تحقيقه حتى في ضوء عودة الحرارة في العلاقات الأميركية الأوروبية، وإيران لا تخشى هذا التقارب لأنّ أوروبا لم تقف الى جانب إيران في عهد ترامب حتى تخشى من خسارة الجانب الأوروبي، فأوروبا كانت ولا تزال تابعة لأميركا ولا تمتلك المقوّمات التي تجعل منها لاعباً دولياً مستقلاً، وهي اليوم الى جانب أميركا بايدن ولن تكون إلى جانب إيران… وأعلنت إيران مؤخراً أنها ليست مستعجلة لبدء التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النوويّ.
وما من وقت طويل لينهي بايدن حالة الضبابية بشأن عودة بلاده الى الاتفاق النووي وبشكل لا لبس فيه، قبل ان توقف إيران تنفيذ البروتوكول الإضافي وعمليات التفتيش، عندها سيعلم بايدن حجم الكلفة التي يجب أن يدفعها.
ولذلك نفذت «إسرائيل» في الفترة الأخيرة سلسلة من المناورات العسكرية القتالية على جهات لبنان وسورية وقطاع غزة كان هدفها اختبار التعامل مع هجمات صاروخية كثيفة قد تتعرّض لها من دول محيطة وأبعد منها، ولا تتحفظ عن نيتها بشنّ هجمات على المواقع النووية في إيران، وهي تعتبر أنّ مسألة امتلاك إيران لسلاح نووي هي بالنسبة لها حياة او موت حتى ولو لم تتلقَ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، وهي مطمئنة في هذه الحالة الى قوة تأثير اللوبي الصهيوني على القرار الأميركي، وهي تعي خطورة شنّ هجمات على إيران ولكن لا خيار لها إذا كان لا بدّ من ذلك ويبقى الخيار الأخير بعد أن تنفذ بقية الاختيارات العسكرية كشنّ هجمات على أهداف في سورية ولبنان والعراق.
وكان اللافت قبل يومين أن تنشر صحيفة «معاريف الإسرائيلية» تصريحاً للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية يؤكد استعداد إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في حال الحاجة إليه، ولن نأبه لمناورات المهرّج الصهيوني، ومثل هذا التصريح لم يظهر في وسيلة إعلام أخرى.
ويحرص إعلام العدو على نشر قرار البرلمان الإيراني الذي يطلب من الحكومة زيادة مستوى التخصيب الى 20% وهو ما بدأ تطبيقه في مطلع كانون الثاني، فيما يشهد المفاعل النووي «الإسرائيلي» في ديمونا أعمال بناء مكثفة وتطوير هو الأوسع منذ عقود في صحراء النقب وفقاً لصور الأقمار الصناعيّة التي أوردتها وكالة «أسوشيتد برس».
وأشارت الوكالة إلى أنّ الصور تُظهر حفرة بحجم ملعب كرة قدم يقوم في وسطها بناء مكوّن من طبقات عدة ويقع على بعد أمتار من مفاعل نوويّ قديم. وتُعدّ هذه المنشأة أكبر مشروع إنشائي نووي لـ «إسرائيل» وهي موطن لمختبرات تحت الأرض عمرها عقود من الزمن، وتعمل على معالجة قضبان المفاعل المستهلكة للحصول على البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة لبرنامج القنبلة النووية، وانّ سبب هذا البناء لا يزال غير واضح، ولم تردّ حكومة الاحتلال على الأسئلة الموجهة من «أسوشيتد برس» حول نوعية الأعمال المبرمجة داخل هذه المنشأة.
ويأتي الكشف عن هذا البناء في وقت توجّه فيه «إسرائيل» بقيادة نتنياهو انتقادات لاذعة الى برنامج إيران النووي الذي لا يزال تحت رقابة مفتشي الأمم المتحدة على عكس البرنامج «الإسرائيلي»، الأمر الذي دفع العديد من الأصوات في العالم الى مطالبة «إسرائيل» بالكشف عن تفاصيل برنامجها .
وفي ظلّ سياسة الغموض النووي التي تنتهجها دولة الاحتلال فهي لا تؤكد ولا تنفي امتلاك أسلحة ذرية، ولم تنضمّ الى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وهي اتفاقية دولية تاريخية تهدف الى وقف انتشار الأسلحة النووية.
وبدأت «إسرائيل» بناء الموقع النووي سراً أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بمساعدة سرية من الحكومة الفرنسية في صحراء خالية بالقرب من ديمونا على بعد 90 كيلو متراً جنوب القدس المحتلة.
وفي صيغة إعلان، أضيفت معلومة استخبارية تقول انّ «إسرائيل» أخفت الغرض العسكري للموقع النووي لسنوات عن الولايات المتحدة الأميركية الحليف الرئيسي لها بالأمس واليوم، حتى أنها أشارت إليه على أنه مصنع نسيج!
ولا نعتقد أنّ الولايات المتحدة لم تكن على علم بهذه المنشأة في الوقت الذي دعا فيه ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام إدارة الرئيس جو بايدن لعدم التستر على سلاح «إسرائيل» النووي والتوقف عن ضخ الأموال الضخمة اليها.
ولم يكن صدفة ان لا تنكشف معالم البناء «الإسرائيلي» الآخذ بالتوسّع في مفاعل «ديمونا» النووي الذي تنسج حوله الحكايات، في الوقت الذي لم تستطع فيه أيّ وكالة أنباء رغم نفوذها الاقتراب منه أو تصويره طيلة السنوات الماضية إلا بإذن «إسرائيل» التي تفرض رقابة مشدّدة جوياً وأرضياً حول منطقة «ديمونا» في صحراء النقب.
وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية نشرت الوكالة الأميركية صوراً أثارت ضجة حول العالم وجدلاً واسعاً في «إسرائيل»، وقد تناقلتها وسائل الإعلام «الإسرائيلية» من دون زيادة او نقصان ولو بحرف واحد، ولن يجرؤ على الحديث في مثل هذا الشأن سراً أو علانية، ولا يزال العالم «الإسرائيلي» مردخاي فعنونو سجيناً منذ عشرين عاماً وهو الذي كشف بعض هذه الأسرار.
ويقول داريل جي كيمبال المدير التنفيذي لرابطة الحدّ من الأسلحة ومقرّها واشنطن انّ ما تفعله الحكومة «الإسرائيلية» في هذه المنشأة السريّة للأسلحة النووية هو أمر يجب على حكومة «إسرائيل» الكشف عنه.
وفي الوقت ذاته قالت صحيفة «هارتس» العبرية ان الحكومة الإسرائيلية تسعى لتأمين المفاعل النووي وإطالة عمره الافتراضي الى أربعين عاماً إضافية.
ويقول محللون لوكالة «أسوشيتيد برس» انّ المخاوف المتعلقة بالسلامة قد تؤدّي الى وقف السلطات لعمل المفاعل او تعديله .
وكشف موقع «ديبكا» الاستخباري «الإسرائيلي» انّ الإدارة الأميركية تبدو معنية في إثارة موضوع «ديمونا»، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تسليط الضوء على مفاعل «ديمونا» والبرنامج النووي لتل أبيب في وسائل الاعلام الأميركية، مشيراً الى أنّ وكالة الأنباء الأميركية نشرت تقريراً طالب من خلاله إدارة بايدن إنهاء «النفاق الأميركي» تجاه البرنامج النووي «الإسرائيلي» وانّ على الإدارة الأميركية الجديدة إنهاء سياسة الكيل بمكيالين بعدما حرص زعماء أميركا السابقين قبل بايدن على عدم التطرّق إلى هذا الملف رغم سعيهم وتبنّيهم سياسة حظر الانتشار النووي.
وهل وتيرة تناول الملف النووي «الإسرائيلي» في رسائل الإعلام الأميركية، وهي وسائل مقرّبة من الإدارة الجديدة تزداد يوماً بعد يوم وآخرها نشر صور لتوسعة المفاعل النووي في ديمونا؟
ومن الصعب بطبيعة الحال أنّ يداً واحدة تقف خلف هذه التسريبات.
وهل تسعى إدارة بايدن فعلاً الى الاستجابة الى التوجهات التي تطالبها بإزالة الغطاء الأميركي عن البرنامج النووي «الإسرائيلي»، في خطوة تهدف الى لجم «إسرائيل» وترويضها في ظلّ الجهود الرامية الى استئناف المفاوضات مع إيران للعودة الى الاتفاق النووي؟
وهل تسعى إدارة بايدن لتهيئة الأرض لمفاوضات تهدف الى إخلاء الشرق الاوسط من السلاح النووي بشكل عام؟
الإجابات عن هذه الاسئلة لا بدّ ان تظهر خلال الأسابيع وربما الأيام المقبلة.
*رئيس اللقاء الإسلاميّ الوحدويّ.